عادي

«العروض القصيرة».. منصة النجوم

00:01 صباحا
قراءة 5 دقائق
من أحد عروض المهرجان
sharja

الشارقة: علاء الدين محمود

بعد انقطاع دام لعامين، يعود مرة أخرى مهرجان كلباء للمسرحيات القصيرة في دورته التاسعة ليعانق جمهور «أبو الفنون»، والمهتمين بالحركة المسرحية وتطورها، خاصة أن ذلك المهرجان له أهميته الخاصة لكونه المختبر الذي ظل يرفد الساحة الإبداعية بالنجوم الجدد في مختلف مجالات ومفردات الفعل المسرحي، كما أنه يغذي المهرجانات الأخرى مثل «أيام الشارقة»، وغيره بالممثلين والمخرجين والفنيين الجدد وتلك العملية أسهمت كثيراً في تطوير المسرح الإماراتي الذي بات يحتل مكانة كبيرة بين الدول العربية.

يعمل المهرجان على تنشيط الساحة المسرحية في المنطقة الشرقية، حيث يقام في الربع الأخير من كل سنة في كلباء، وتأتي الدورة الحالية لتؤكد وصول المهرجان إلى قمة عطائه الفني والفكري.

انطلقت أولى دورات المهرجان في سبتمبر من عام 2012، بإشراف إدارة المسرح في دائرة الثقافة، بهدف فتح الباب أمام المواهب المسرحية من الجنسين فهم النواة التي ينهض على أساسها، والقيام عبر الورش والندوات والعروض التي تجرى عند كل دورة برفد المشهد المسرحي بالأسماء الجديدة على مستويات الإخراج والتمثيل والسينوغرافيا والكتابة المسرحية وكل عناصر العرض المسرحي، ففكرة المهرجان وفلسفته تنهض على كونه مختبرا سنويا لتعلم المبادئ الأساسية للفن المسرحي، حيث تسبقه دورة تدريبيّة شاملة تستمر لمدة 3 أشهر، موجهة إلى الهواة من غير المنتسبين إلى الفرق المسرحيَّة في الدولة، ويجني هؤلاء فوائد عملية وتصقل مهاراتهم في المجالات التي يختارونها، حيث المهرجان هو فضاء مفتوح يأخذ بيد الشباب إلى حيث الأضواء والنجومية.

ورش

نجح المهرجان في إبراز العديد من الطاقات الشبابية من خلال دوراته المستمرة، وهؤلاء صاروا نجوماً في الساحة، وهناك العديد من الأسماء الكبيرة التي تخرجت في المهرجان الذي صار بمثابة محفل كبير يخرج النجوم ويحتفي بالنوابغ، عبر الورش والدورات التخصصية التي تسهم في صناعة العرض المسرحي خاصة، فهي بمثابة منظومة متكاملة ووحدات لبناء الهيكل الأساسي، وتلك الورش استمرت بصورة منتظمة منذ بداية المهرجان، وتهدف أيضا إلى تعريف المشاركين إلى التقنيات والطرق الأساسية المعروفة لمناهج الإخراج المسرحي، كما تسعى إلى تطوير قدراتهم الأدائية؛ كتحويل الأعمال المسرحية من لغة النص إلى لغة العرض، وتشتمل الورش أيضاً على حصص في مفاهيم قيادة الممثل وآليات العمل معه، وكيفية تجاوز مجمل المعوّقات التي تعترض الممثل، والطرق التي يتم اللجوء إليها؛ لشحذه لتقديم أفضل ما لديه وبناء العلاقة مع فناني العرض.

أثر

كان لتلك الورش الورش، أثر في تميز المشاركين بالمهرجان، ممن ظهرت مواهبهم في مهرجانات أخرى عقدت داخل الدولة وخارجها، بل وفاز العديد منهم بجوائز مهمة، ولعل الجديد في الدورة الحالية أن معظم الأساتذة المشاركين والذين حاضروا هذا العام هم من الإمارات مثل إبراهيم سالم وحسن رجب وغيرهما من كبار المسرحيين، وتبرز هنا مسألة في غاية الأهمية وهي أن تواجد المسرحيين في مكان يقود لقاءات تعارف وتبادل ومشاركة فنية، الأمر الذي يجعل المشاركين أكثر جاهزية للمشاركة في العروض وتقديم أفضل ما لديهم، حيث تتيح الدورات والورش للمواهب طرح الأسئلة في مختلف مجالات ومفردات العمل المسرحي.

مسرح فقير

ولعل ما يميز المهرجان هو اعتماده على نصوص عالمية لكتاب كانت لهم بصمتهم في عالم المسرح، ما يجعل الخوض في نصوصهم بمثابة غوص في أعماق المسرح، فالتعامل معها هو اكتشاف لجزئيات العمل المسرحي وتفاصيله، إذ يتم الاشتغال عليها بطرق معينة فالمهرجان يفرض على المخرج والممثلين العمل بميزانيات صغيرة جداً، وبتجهيزات مقتضبة، ولعل الحكمة من وراء ذلك هي إبراز الطاقات الإبداعية عند المخرجين والممثلين، فالمخرج يعمل على استغلال مقدرات الممثل وتحفيز خياله الإبداعي للتعبير بجسده عن مختلف الحالات المسرحية، باعتبار التمثيل هو حجر الزاوية في العرض المسرحي، كذلك فإن المهرجان يمثل تحدياً للمشاركين خاصة أن فكرة العروض تقوم على تكثيف واختصار أعمال مسرحية عالمية، فيعملون على اختيار النصوص واختصارها في 20 أو 30 دقيقة على أقل تقدير مما يعني معرفة كبيرة بكل جوانب المسرح، وتدريباً مكثفاً لها، وهي مهمة صعبة لكنها تعد المسرحي الشاب والواعد بصورة جيدة وتصقل موهبته سواء كان في التمثيل أو الإخراج أو بقية عناصر العرض المسرحي، فالمشارك في ورش المهرجان يتحصل على زخم كبير من المعارف ذات العلاقة بالأكاديميات المسرحية، بالتالي فإن تلك العملية في المجمل تصقل المواهب لتكون قادرة على العمل في كل الظروف.

لقاء عربي

ومن ضمن الأشياء التي تميز المهرجان وتجعله مؤثراً حتى خارج الدولة، هي تلك المشاركة الواسعة من جنسيات عربية، فإلى جانب مشاركة المسرحيين من المواطنين والمقيمين، فإن حضور العديد من الفنانين الخليجيين والعرب سواء كان بدعوات رسمية من قبل اللجان المنظمة أو كان بمبادرات شخصية، يثري الساحة المسرحية، كما أن المسرح الخليجي والعربي يرتقي من خلال تلك اللقاءات والندوات والجلسات النقدية التطبيقية التي يشهدها المهرجان، فهي بمثابة منصات تبحث في ارتقاء وازدهار المسرح الإماراتي وكذلك العربي بصورة عامة.

لغة عربية

ومن أهم الأشياء التي يتفرد بها المهرجان، أن جميع العروض باللغة العربية الفصحى، التي هي الوعاء الحامل لثقافتنا العربية، وهذا الأمر له أثره الكبيرة في اللغة حيث يسهم في انتشارها وتطورها، كما له فوائد تنعكس على الممثل نفسه، فتساعده على تطوير ملكاته وقدراته اللغوية من حيث النطق السليم ومخارج الحروف، وهو أمر يفيد المسرحي المبتدئ كثيراً في مسيرته وتجربته.

يلعب المهرجان دوراً كبيراً في تثقيف ورفع ذائقة الجمهور، خاصة أنه يعتمد على أعمال عالمية، ليتعرف عليها المتلقي، كما يصبح بمقدور الجمهور أن يفرق بين نوعية الأعمال سواء كانت نخبوية أو شعبية، وهو أمر يسهم في ارتفاع الوعي الفني، كما يلعب المهرجان دوراً مهماً تجاه المجتمع المحلي في كلباء والتي صارت تمتلك قاعدة جماهيرية كبيرة محبة للمسرح.

تكريم

وفي كل دورة من نسخه، يكرم المهرجان أحد رواد الفن المسرحي، من الذين أثروا تجربة «أبو الفنون»، في المنطقة الشرقية، إضافة إلى شخصية المهرجان، إلى جانب الأنشطة الثقافية المعرفية التي تسهم بصورة كبيرة في رفد الحراك المسرحي بالرؤى التي تمثل رافعة مهمة، فهنالك الملتقى الفكري السنوي بمشاركة مجموعة من الفنانين العرب، وهناك «ملتقى الشارقة للبحث المسرحي»، وهو المنشط المهم الذي يحتفي سنوياً بمجموعة من خريجي كليات الدراسات العليا في تخصص المسرح، ويتيح لهم فرصة تقديم ملخصات عن أطروحاتهم، سواء أكانت على مستوى درجة الماجستير أم الدكتوراه، إلى جانب مواكبة أنشطة المهرجان والتفاعل مع المشاركين فيه، لا سيما الهواة، بالتالي فإن المهرجان يكتسب بالفعل أهمية كبيرة خاصة من النواحي العلمية والمعرفية، وهو بذلك يعتبر من أهم المنصات التي ترفد الساحة المسرحية بالأفكار والأطروحات إلى جانب المواهب.

وضمن أهم المميزاتالتي يتمتع بها المهرجان عن الفعاليات المسرحية الأخرى في الدولة، أنه يمنح جوائز تقديرية وعينية يومياً للممثلين المشاركين، وهي العملية التي تعتمد نتائجها على تصويت الجمهور، وهذا خلق نوعا من التواصل بين الممثلين وجمهورهم، كما أن المهرجان يقدم العديد من الجوائز التشجيعية والتحفيزية عقب العروض المسرحية.

تطوير

تعمل إدارة المسرح في دائرة الثقافة على الدوام على تطوير المهرجان من أجل استمرار تلك التظاهرة المهمة من خلال حرصها المستمر على مشاركة الشباب وتشجيعهم على ذلك الأمر، وكذلك هي تعمل بصورة مستمرة على مراجعة آلية المشاركة ومستوى العروض وأعمال لجان الاختيار والتحكيم وأشكال ومضامين الملتقيات والندوات المصاحبة، كيما يحقق أهدافه ويتمكن من إيصال رسالات المسرح التنويرية، وجعله ممارسة اجتماعية يحرص الجميع على التفاعل معها والتواجد فيها، وهو الأمر الذي يخدم العملية المسرحية كثيراً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mpb9bkkm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"