د. باسمة يونس
المسرح جزء من نسيج الثقافة في الإمارات، والشارقة مسقط رأس الإبداع فيه وتجربة مشتركة جمعت حاكماً شغوفاً ومبدعاً بفنه مع المبدعين والجمهور في علاقة إنسانية راقية عززت رسوخ المسرح، وكرست أهميته كدعامة أساسية في البنية التحتية للثقافة في الإمارة. ويتجلى ذلك الاهتمام من خلال إقامة عدة مهرجانات مسرحية متنوعة على مدار العام تبقيه على تواصل مع مستجداته ومبدعيه في كل مكان.
وتتجلى جهود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة في تحويل هذا الفن إلى شجرة وارفة الظلال تدعمها مؤسسات وبرامج ومشروعات ويلتقي حولها من يجدون عندها مبتغاهم، ما جعل ثقافة المسرح ذات قيمة عالية في التشكيل الثقافي للمجتمع.
ويحظى المسرح بشكل خاص بتقدير المبدعين والجمهور لإيمانهم بأنه كان ولا يزال رابطا ثقافياً وإنسانياً، فالتمثيل المسرحي عملية شاملة تتضمن تعاوناً بين العديد من الأشخاص عدا عما يفعله تأثير الأداء الحي في العالم في خضم تدفق وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الرقمية والشاشات.
وكما يساعدنا المسرح على رؤية الحياة بمنظور مختلف عن منظورنا، فهو المكان الذي نعمل فيه على تحديث تعريفنا المتغير باستمرار للإنسانية ولتجربة أفراح الحياة، وأحزانها، ونقاط ضعفها والصراعات فيها، ونستطيع كمشاهدين التفرج على مسارات حيوات غيرنا بينما نضع أنفسنا ككتاب وفنانين في مواقف عاطفية وفكرية قد لا تظهر أبداً في حياتنا الشخصية، لكن المسرح يشجعنا للإفصاح عنها وإعطاء القوة للحقيقة وللأفكار غير المسبوقة وللأصوات التي ترغب في قول ما تريد قوله بفن ولغة رفيعة المستوى.
ويذكرنا المسرح دائما بأننا لسنا وحدنا، فلا يقتصر الأمر على مشاركة التجربة مع الفنانين الذين يؤدون عروضهم، بل نشارك التجربة مع الجمهور بجميع عواطفه ومشكلاته على العكس من أفلام السينما والتلفاز التي لا تمنحنا الإحساس بالمشاركة، فمشاركة تجربة مباشرة مع ممثلين وجمهور هي أمر ليس ذا قيمة فحسب، بل هو ضرورة للترابط البشري.
ويختلف المسرح عن بقية الفنون بأنه فوري ومتطور ومختلف دائماً حتى ولو كان النص يعاد كل ليلة، فأداء الممثلين في كل عرض يظل فريداً من نوعه ولا يمكن أن يتماثل عرضان، بل كل منهما يتمتع بتجربة مميزة وفريدة من نوعها لا يمكن تكرارها أبداً.
ويساعدنا المسرح كظاهرة ثقافية في تعزيز الخطاب الاجتماعي، والحوار، والتغيير الاجتماعي المحتمل بعرض المشكلات ومحاولة إيجاد حلول لها من خلال وجهات النظر المختلفة.
ولأن تأثير المسرح في هذا المجال كبير، فهو يمنح الجماهير فرصة لمعرفة المزيد عن الإنسانية عبر العواطف والأفعال والقصص التي يتم سردها على خشبته، فكل قصة تتصل بالجمهور بطريقة أو بأخرى، سواء كان ذلك من خلال اكتشاف الذات أو من خلال ما تحمله الشخصيات والأحداث.
ليس ذلك فحسب، بل إن الإبداع والتعبير في العمل المسرحي، يحملان بعداً ترفيهياً لا ينساه الجمهور لأنه يوصل الرسائل بالطرق التي يمكن للناس من خلالها معالجة المشكلات التي قد تصادفهم، أو يسردون قصصاً يتوقون لإخبار العالم بها. ويتعلم كل فنان يشارك في العمل المسرحي كيفية تقبل النقد البناء، وحل المشكلات، والانضباط، والمثابرة حتى في أصعب الأوقات. وكل هذه الصفات تتحول إلى جزء من شخصيته خارج الكواليس أيضاً ما يجعل المسرح طريقة رائعة لتعلم المهارات التي سيكون لاستخدامها في الحياة اليومية قيمة.
لقد استمر المسرح في الشارقة على مر السنين معتمداً على شغف المحبين، وعلى كونه طريقة مؤثرة لتصوير المجتمع، ووسيلة لاختبار الحياة والإنسانية كشكل من أشكال الترفيه الجيد والذي يمكن أن يتمتع به جميع أفراد الأسرة لتعميق تصورهم للعالم.
