أحمد مصطفى
من استمع هذا الأسبوع لما قدمه مدير برنامج الغذاء العالمي، ديفيد بيزلي، ومسؤول الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، مارتن غريفيث، أمام مجلس الأمن الدولي حول الوضع الإنساني في مناطق الصراع لن يسعه سوى التسليم بنفاق العالم، والغرب منه بخاصة، فيما يتعلق بالشعارات الإنسانية التي يعظ بها الآخرين، ولا يلتزم بها.
كان تركيز اجتماع مجلس الأمن على الوضع الإنساني في مناطق كالصومال واليمن وإثيوبيا والسودان. واستخدم المسؤولان وصف «تسونامي مجاعة» قد يأتي على عشرات الملايين من البشر. وكانت الصورة لليمن أكثر قتامة، مع توقع معاناة 24 مليوناً من سكان البلاد، وعددهم 30 مليوناً، خطر المجاعة. وهناك بالفعل 8 ملايين يعانون نقصاً في التغذية، ولا تستطيع وكالات المساعدات تقديم الكثير لهم، ففي الآونة الأخيرة، تقلصت أو توقفت تماماً معظم برامج المساعدات لهذا البلد المنكوب بالحرب، والصراع المدمر للبشر، والقدرات الاقتصادية وغيرها.
في بداية الحرب في أوكرانيا، وفي إطار الحشد التعبوي الإعلامي، أظهر كثير من المراسلين والصحفيين في الغرب عنصريتهم التي تختفي تحت الخوف من القانون، وادعاء الموضوعية. بدا ذلك واضحاً في تعليقاتهم على الأوكرانيين الفارين من مناطق القتال، ووصفهم ب«لاجئين مثلنا» وليسوا من الشرق الأوسط أو شمال إفريقيا. ولا يتعلق الأمر بعنصرية على أساس اللون والعرق، وإنما هي «شوفينية» ومغالاة في القومية.
وعلى مدى شهور الحرب الأوكرانية السبعة أو أكثر، بدأ الناس يكتشفون مدى نفاق الغرب الذي يتشدق بشعارات إنسانية، بل ويعظ الآخرين بها، وهو في النهاية لا يعني ما يقول إنما يستخدمه فقط لغايات ومصالح سياسية فجة، تتعارض أحياناً مع كل ما هو إنساني وأخلاقي. لا عجب في ذلك، فتلك هي السياسة، التي تقوم على المصالح، لكن النفاق أن تعظ بعكس ما تفعل، وتهدد الآخرين إذا سعوا لتحقيق مصالحهم بتصوير الأمر على أنك «أكثر انسانية وأخلاقية».
على الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس «الأب الحنون» للمظلومين، والذين يعانون في الأرض، فإنه صادق إلى حد كبير فيما أعلنه عن أن اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية الذي شن الغرب الحملة كي يصل إليه مع روسيا على أساس حاجة المناطق المنكوبة والشعوب الفقيرة إلى هذا الغذاء، لم يحقق ذلك. وليس هناك ما يدعو لتكذيب المسؤولين الروس حين يؤكدون أن شحنات الحبوب والأغذية التي سُمح بخروجها من أوكرانيا لم تذهب إلى اليمن ولا إلى الصومال ولا إلى غيرهما، وإنما ذهبت في أغلبها إلى دول أوروبا.
هيئات المساعدات الإنسانية في اليمن أكدت أن كُلفة توفير الغذاء الضروري لملايين اليمنيين ارتفعت بنسبة الثلث تقريباً مؤخراً، بسبب حرب أوكرانيا. وأنها تتوقع المزيد من الارتفاع، وتحتاج إلى ما يقارب ثلاثة مليارات دولار، لإنقاذ الأشد عرضة لفقر التغذية من الموت.
لا نريد المقارنة بين المليارات التي ضخها الغرب للحرب في أوكرانيا في بضعة أشهر، وتعهدات المساعدات التي قُطعت لليمن على مدى سبع سنوات، ولم يتحقق منها أي شيء باستثناء ما تقدمه الدول العربية للشعب اليمني.
صحيح أن اليمن لم يكن في وضع اقتصادي جيد قبل الحرب هناك، وربما فيه من الفساد ما يفوق صراعات المتحاربين من ميليشياته وفصائله وجماعاته المتناحرة، لكن الكارثة الإنسانية في اليمن تتفاقم مع موت عشرات الآلاف من الجوع، وعدم توفر الرعاية الصحية الأساسية، وشبه انعدام مقومات الحياة البسيطة في أغلب المناطق، خاصة تلك التي يحاصرها المتمردون الحوثيون.
وللأسف، على الرغم من أن الهدنة الحالية سهلت تخفيف القيود على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون مثل العاصمة صنعاء، بعودة الطيران التجاري من مطارها، ودخول شحنات الوقود عبر ميناء الحديدة، فإن تجار الحرب من قادة الميليشيات يتاجرون في ذلك، ويدفع اليمنيون من دمائهم وربما حتى أرواحهم ثمن جشع هؤلاء. أما في تعز التي يحاصرها التمرد الحوثي، فجماعات «الإخوان» فيها تساعد ميليشيات الحصار في تجويع سكانها حتى الموت.
وهكذا، يزيد من مأساة اليمنيين الإنسانية تلاقي نفاق الغرب مع نفاق بعض اليمنيين على جعل الوضع الإنساني في البلاد أسوأ مأساة على مر التاريخ.