حل لغز دورة الأعمال

21:48 مساء
قراءة 3 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي *

بدأت الهجرة العظيمة للعقول نحو أمريكا، في الثلاثينات، واتجه قليل من اللاجئين الأوربيين المهتمين بالعلوم الاجتماعية إلى معاهد البحوث، مثل معهد «روكفلر» في مانهاتن والذي تحول الآن إلى جامعة، ولكن الغالبية العظمى من المهاجرين اتجهت نحو أقسام الاقتصاد في الجامعات. فالاقتصاد تحول إلى مهنة. وقبل أن تتمكن الرياضيات من أن تصبح اللغة الرسمية المشتركة لعلم الاقتصاد، على أي حال، فإن اقتصادياً إنجليزياً سوف يكتب فصلاً واحداً أخيراً ۔ وهو جون ماينارد كينز، أعظم اقتصاديي القرن العشرين، الذي استطاع أن يحل لغز دورة الأعمال.

واجهت الرأسمالية مشاكل دورية على الأقل جراء التوترات المصرفية منذ عام 1837، ولكن الحدث الذي وقع يوم الثلاثاء الأسود في شهر أكتوبر من عام 1929 كان الأسوأ.

ضاعت الثروات وأعلن الكثيرون إفلاسهم، ولكن الاستخدام السيئ للموارد كان الأكثر إثارة للقلق. وارتفعت معدلات البطالة حتى وصلت إلى 25% من قوة العمل في الولايات المتحدة وأووربا، بينما تناقص معدل الإنتاج بمقدار الثلث خلال الثلاثينات، وتناقصت القيمة النقدية للإنتاج بمقدار النصف. وتوقفت جميع الاستثمارات الجديدة. وقارن الناقد «إدموند ويلسون» الوضع بالزلزال، وكان الاقتصاد نفسه تحت الحصار. هل كان هذا هو سقوط الرأسمالية الذي تنبأ به كارل مارکس؟

أدت الأزمة إلى ظهور کینز. وقد تدرجت رؤيته شيئاً فشيئاً إلى أن تحولت إلى كتاب، بعنوان «النظرية العامة للتوظيف»، الفائدة والنقود. وأتی ذکر ملاحظة التخمة المعممة في قلب «النظرية العامة» - وهي احتمالية أنه، عند وضع ما تم إنتاجه في الاعتبار، فإنه يمكن ألا تكون هناك رغبة لدى المستهلكين لشراء هذا الإنتاج، وبذلك يمكن حدوث واستمرار حالة من الكساد إلى أن يحدث شيء ما. بمعنى آخر، يمكن أن يفشل ميزان تصحيح اتجاه اليد الخفية.

وقد شمل تشخيص الأزمة حالاً جديداً: وهو أنه ينبغي على الحكومة أن تملأ فجوة الطلب الكلي، عن طريق القيام بالاقتراض بهدف إنفاق أموال لا تمتلكها. فإذا استطاعت الحكومة أن تقوم «بالضخ المبدئي»، وأن تحرك الاقتصاد إلى التوظيف الكامل، فإن الاقتصاد سيصل إلى حالة التوظيف الكامل بنفسه.

إن الاعتراف الصريح بعدم إمكان الاعتماد على السوق بالضرورة دائماً في إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح تضمن نوعاً من الانقلاب الشديد على الحكمة القائمة، فقد زاد من احتمال وجود «توازنات متعددة»، بدلاً من التوازن الأوحد والعام والأفضل والذي يمكن الاعتماد عليه بين العرض والطلب، والذي كان من المفترض أن ينتج عن «اليد الخفية»، ولكن كان من الممكن أن يحدث التوازن في ظل وجود بطالة مرتفعة أيضاً.

قد «يعلق» الاقتصاد، بعيداً عن توازنه في ظل حالة التوظيف الكامل، وبذلك تم تعريف آلية جديدة لوضع تلك الاحتمالات في الاعتبار - جمود الأجور، أو الأجور «اللزجة» والتي لا يرغب أصحاب الأعمال ولا العاملون في الاستقرار عليها. واكتسبت العوامل النفسية أهمية جديدة - أطلق عليها «تفضيلات السيولة» و«الميل نحو الاستهلاك» والتي تمت إعادة صياغتها ك«دالة الاستهلاك».

وتوسط النثر المتوهج عدد قليل من المعادلات المبعثرة، بدلاً من الرسوم البيانية المعتادة في كتاب «النظرية العامة»، وقد كانت تلك المعادلات كافية لتقديم أسلوب جديد من الجدل لقراء كینز.

وفقاً لذلك، قيل إن كينز اخترع الاقتصاد الكلي، وذلك لأنه بدأ في حل ألغاز عمل الاقتصاد ككل، وخصوصاً الأمراض التى تصيب المنظومة بأكملها مثل البطالة، والبطالة المقنعة، وحتى دورة الأعمال نفسها.

في عام 1937، حصل كينز على مترجم أو مفسر، لديه القدرة على ترجمة رؤاه إلى لغة يمكن أن يفهمها كل من الكلاسيكيين والمحدثين، وهو جون هيكس، الذي كتب ورقة بحثية بعنوان «الأستاذ كينز والكلاسيكيون» والتي تضمنت زوجاً من الرسوم البيانية لمارشال وعدد من المعادلات الجبرية.

أعاد هيكس صياغة الرسالة النصية لكينز وحولها إلى نموذج بسيط يمثل العلاقة بين الدخل والفائدة والادخار والاستثمار - «العرض الكلي» للسلع، و«الطلب الكلي» عليها، وذلك في الشكل النقدي، وبشكل مفاجئ ظهر مصباح مضيء في المهنة.

استطاع نموذج هيكس أن يربح، وانتشرت رسالة كينز بين الشباب.

* أكاديمي مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/45fcsz3z

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"