لماذا يستدير العرب شرقاً؟

00:42 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

شهدت قمة شنغهاي الأخيرة إعلان الدول المؤسسة عن انضمام مصر والسعودية وقطر إلى المنظمة بصفة شريك للحوار، وهي صفة تطلق على الخطوات الأولى التي تفضي إلى الحصول على صفة عضو في المنظمة، وذلك بعد أن تمّ الإعلان عن بدء التفاوض مع تركيا وإيران على صفة العضوية النهائية.

هذه التحوّلات الاستراتيجية الكبرى تظهر أنّ العالم يتجه فعلياً إلى إنهاء صفة «القطبية الأحادية» التي منحت الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة صفة سيّد العالم، وذلك منذ انهيار الاتحاد السوفييتي في تسعينات القرن الماضي وولادة ما سمّي «النظام العالمي الجديد». هذا الواقع الجديد تترجمه عدّة تكتلات بدأت تأخذ لنفسها حيزاً في المشهد السياسي الدولي. فمنظمة شنغهاي للتعاون تأسست عام 1996 بوصفها تكتلاً إقليمياً أوراسياً باسم «خماسية شنغهاي»، يضم الصين وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان، وبعد انضمام أوزبكستان والهند وباكستان ثم انضمام إيران المرتقب أصبحت المنظمة تضم نصف سكان الأرض، وإذا ضممنا إليها مصر والسعودية وقطر وتركيا التي تتفاوض على عضويتها، يصبح للمنظمة ليس فقط الوزن الدولي القوي من حيث عدد السكان بل من حيث الموارد وأوراق القوة المتمثلة أساساً في النفط و الغاز ثم التكنولوجيا. و إذا اضفنا إلى هذا التكتل مشروع «الحزام والطريق» الذي يضمّ نحو 90 دولة، والذي انخرطت فيه عدة دول عربية وازنة، وتساهم في تمويل أذرع هذا المشروع المالية على غرار البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، فإننا ندرك حجم التحولات الجارية، وكيف بدأ عقد السطوة الغربية ينفرط لصالح هذه التكتلات الجديدة حيث يجد فيها العرب أنفسهم شركاء بل مؤسسين في بعض الأحيان.

ولقد مثلت الحرب الأوكرانية، فرصة ذهبية لاستثمار هذه التحولات، فبرغم مطالبات الولايات المتحدة لدول عربية لزيادة إنتاجها من موارد الطاقة، حتى تنخفض الأسعار إلاّ أن الاستجابات العربية كانت دون انتظارات الغرب، بل إنها شكلت صدمة قوية لدى صناع القرار هناك.

العصا الأمريكية آيلة للسقوط، وتقاسم السلطة في العالم باتت تفرضه الوقائع والحقائق وموازين القوى التي ترجّح صعود «نمور اقتصادية وشعبية» جديدة ترفض أن يكون مستقبلها رهينة في واشنطن أو في بروكسل حيث مقرّ «الناتو».

لقد خبرت الشعوب منطق الأحادية فعانت من ليبرالية متوحشة ومن عمليات «اغتيال اقتصادي للأمم والشعوب» وعمليات تخريب واسعة لمنطق التعدد الذي تفرضه قوانين الطبيعة، فنرى الآن هويّات تريد استعادة مجدها وثقافات تنفض عنها غبار الموت والفناء، و لا أحد يمكنه أن يوقف هذه النهضة الجديدة. وربّما فهمت بعض الدول العربيّة أن المستقبل لن يكون إلاّ بيد القوى التي تمتلك فعلاً قوة الاقتصاد والقوة البشرية والتكنولوجية. وفي الشرق الأوسط وآسيا تتوافر كل مقومات النهوض والتقدّم. ولئن كانت هناك خلافات يغذيها الغرب بين بعض دول هذه التكتلات، فإنّ التصريحات الأخيرة لبعض قادة هذه الدول تصبّ كلها في إطار رغبة جادة في طي صفحة الماضي وتطبيع العلاقات والنظر إلى المستقبل. وليس لقاء رئيسي المخابرات التركية والسورية إلاّ إشارة عن هذه التحولات، كما أن تصريحات أمير قطر وإعلان عدم دعم الإخوان إسقاط للورقة التي اعتمدها مخطط باراك أوباما لتخريب الدول العربية.

التوجه العربي نحو الشرق الناهض هو دليل على أنّ هذه الدول قد أدركت أن الاستمرار في نهج التحالف مع أمريكا، لن يجديها نفعاً، وأن الانفتاح على فرص الاستثمار والتبادل التجاري مع قوى إقليمية أخرى، وتنويع الشراكات هي الخطوات التي يجب الانطلاق فيها سريعاً لضمان موقع محترم في النظام العالمي الجديد الذي لن يتأخّر ميلاده. نظام سيكون فيه لكل الشعوب حظّ.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3zfw4bsy

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"