هل قانون خفض التضخم سيخفضه؟

21:49 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد *

قانون خفض التضخم Inflation Reduction Act الجديد الذي أقره الكونغرس بغرفتيه قبل أيام، بأصوات الديمقراطيين في المجلسين حصراً، حيث صوت ضده جميع الأعضاء الجمهوريين، ليست له علاقة مباشرة بالتضخم وليست له آلية محددة لكيفية خفضه. ومعظم مواد القانون مكرسة لخطة إخراج الاقتصاد الأمريكي من مأزقه التطوري عبر حزم مالية موجهة لإطلاق ورشة إعادة إعمار وتحديث البنية التحتية المتقادمة بمقاربات قائمة على الطاقات المتجددة، وتدابير لتشجيع المرافق والشركات والأفراد على المشاركة في خطة التحول الطاقوي، وتوفير حماية جزئية للسكان من تغول شركات إنتاج الأدوية وشركات التأمين الصحي وقطاع الصحة الخاص. حيث يعتقد مهندسو الخطة، بأنها ستحقق الهدف الذي ينتظره الديمقراطيون ومعظم مؤسسات الحكم في واشنطن التي يحكمون قبضتهم عليها.

تشتمل الخطة على ما يدعو إليه دائماً اقتصاديو المدرسة الكينزية الجديدة في أمريكا، ومنهم الفائزان بنوبل، جوزيف ستيغليتز وبول كروغمان، وهو التدخل الحكومي، لضبط السوق عبر دالة الأسعار، وتحديداً فيما خص أسعار الأدوية التي ظلت ترتفع على مدى السنوات الماضية بشكل كبير، وفقاً لمؤسسة Kaiser Family Foundation. ويأمل الديمقراطيون ومناصروهم في وسائط الإعلام السائد، مثل واشنطن بوست، أن يسهم قانون خفض التضخم في الحد من تكاليف الأدوية لكبار السن، ويجبر شركات الأدوية على دفع خصم في حال رفعت الأسعار بشكل أسرع من معدل التضخم، وتوفر لقاحات مجانية لكبار السن.

إنه إذن التدخل الحكومي Government intervention الذي يشكل أساس نظرية عالِم الاقتصاد البريطاني جون مينارد كينز، والذي لطالما دعا إليه أنصاره من الكينزيين والكينزيين الجدد في أمريكا خصوصاً، من خلال تقوية وتفعيل نشاط ودور أجهزة الدولة المعنية كمنظم للاقتصاد، باعتباره ضمانة لإحداث التوازن ومنع الاختلالات في السوق. والمثير أن هذا النوع من التدخل الحكومي المنصوص عليه في قانون خفض التضخم، يعترف ضمنياً بأن الشركات يمكنها الاستمرار بكل سلاسة في تصنيع الأدوية وتحمل كلفة «تصنيع التضخم في المنبع»، حتى عندما تواجه ضوابط على أرباحها المفرطة. وهذا يعني أنه إذا كانت الأسعار ترتفع، فبوسع المنظّم أن يمنع أولئك الذين يحددون الأسعار من القيام برفعها. وإذا كان بالإمكان تطبيق مثل هذا الشيء على أسعار الأدوية، كما يُفهم من نصوص قانون خفض التضخم، فهذا يعني أنه بالإمكان تطبيق نفس التدابير على سلع الغذاء والغاز وغيرهما من الأساسيات.

ولعل القانون يبدد فرصة الساسة، والاقتصاديين المناصرين لهم، في استغلال عدم فهم وارتباك الرأي العام، لتضليله حول الأسباب الحقيقية التي تغذي التضخم. كما أنه ينطوي، بصورة غير مباشرة، على إقرار ضمني بأن المال الفائض المتدفق والصاعد إلى قمة هرم الثروة، وليس إلى أسفله، هو الجاني الحقيقي في مشكلة التضخم. ونظرة سريعة على الأرباح الفائضة أو المفرطة أو الفجائية التي جنتها شركات الدوت كوم وكبريات شركات قطاعات المال والأعمال، حتى في ذروة الجائحة، تدلل على ذلك. ولقد توصل نموذج ميزانية بن وارتون، وهي مجموعة من الاقتصاديين وعلماء البيانات في جامعة بنسلفانيا الذين يحللون السياسات العامة للتنبؤ بآثارها الاقتصادية والمالية، إلى استنتاج نشروه يوم الجمعة 12 أغسطس 2022، ومفاده، بأن قانون الحد من التضخم يهدف إلى معالجة مجموعة من المشاكل، من تغير المناخ إلى اكتشاف الغش الضريبي، لكن هناك مشكلة واحدة قد لا يحلها: الحد من التضخم.

ولو نحينا جدل الإعلام الأمريكي السائد بشأن حظوظ نجاح قانون خفض التضخم من عدمه، سنجد في الجوهر، أن الاقتصاد الأمريكي كان من قبل الجائحة ومنذ ما قبل الأزمة المالية في 2008 (والكينزيون الجدد ومنهم ستيجليتز وكروغمان يدركون ذلك)، كان غير متوازن بشكل كبير. فلعقود، كانت أمريكا تعيش بما يتجاوز إمكانياتها، وتدير عجزاً كبيراً ومستمراً في ميزانها التجاري وموازنتها العامة بفضل ارتفاع قيمة الدولار، وانخفاض أسعار الفائدة بشكل مصطنع، واستعداد الشركاء التجاريين لإعادة تدوير فوائضهم في الاقتصاد الأمريكي. وكان أصحاب القرار في واشنطن على علم بهذه الاختلالات، لكنهم جميعاً ظلوا يتجاهلون التحذيرات وأفرطوا في تجاوزها. والاقتصاد العالمي ليس نظاماً يمكن لواشنطن الاستمرار بالتحكم فيه إلى الأبد. مثل هذا الاقتصاد سيظل دائماً بحاجة إلى جرعات أكبر من التحفيز المالي والنقدي لمنع السقوط في الركود. كما سيظل اقتصاداً مديوناً بشكل متزايد وخطِر لبقية العالم. قانون خفض التضخم لن يحقق الغرض، فالمطلوب جعل الإنفاق الحكومي أكثر انسجاماً مع الإيرادات الحكومية؛ وأن تقترض الأسر الأمريكية بشكل أقل لتخلق وعاء توفيرياً؛ ويجب أن ترتفع أسعار الفائدة إلى المستويات الطبيعية لحالة الاقتصاد، وأن تنخفض قيمة الدولار إلى مستواه الحقيقي، بما يخفض السعر النسبي لما تصنعه وتصدره أمريكا لبقية العالم، ويرفع السعر النسبي لما تستورده.

* خبير اقتصادي بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4hhvxbze

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"