مديح للخريف

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

ولَجنا، أو على وشك أن نلج فصل الخريف. أعلم أن خريفنا هنا ليس هو نفس الخريف في البلدان التي تنعم بتعاقب الفصول، ومع أننا على أبواب أكتوبر/تشرين الأول، إلا أن خريفنا يظل مثقلاً ببقايا الصيف ورطوبته. لا مطر ناعماً يطرق النوافذ بعد، ولا أشجار تتحرر من أوراقها الصفراء التي تتطاير مع نسمات هواء عليل، ولا «خشخشة» هذه الأوراق بين أقدامك وأنت تمشي الهوينا في الطرقات التي تحرسها الأشجار من الجانبين.
مع ذلك سنقول: لا بأس، فها نحن نودّع الصيف أو سنودّعه. للخريف مذاق مختلف. لا أعلم لماذا يجري الحديث عن «خريف العمر»، أو «خريف الأشياء» في إشارة إلى نهاياتها. هذه التعبيرات ظلمت الخريف كثيراً. إنه في الحقيقة انبعاث جديد لجمال الطبيعة. انظروا إلى العدد الهائل من اللوحات التي صوّرت الخريف لعدد لا يحصى من عمالقة الفن، وحسبنا أن نذكر هنا أسماء بعضها: «حصاد الخريف» لكريستي بلكورت، و«غابة البتولا» لغوستاف كليمت، و«طريق الشجار في الخريف» لهانز أندرسن برينديكيلد، و«ليديا في الخريف» لماري كاسات، و«شجرة التوت في الخريف» لفان غوخ، وغيرها الكثير.
أما في الشعر فلا يمكن أن يرد الحديث عن الخريف دون الوقوف أمام الشاعر ألكسندر بوشكين، الذي يعدّ الخريف أحبّ الفصول إلى قلبه، ومصدر إلهام بالنسبة إليه، وعنه كتب عدة نصوص عذبة، لعل أشهرها قصيدته «الخريف». في عام 1833 كان بوشكين عائداً من جبال الأورال، وفي الطريق مرّ بقرية «بولدنو» التي أسره الخريف فيها، وقرر المكوث هناك لفترة، حيث ألهمته عدداً من نصوصه، من بينها قصيدة «الخريف».
ظلّ بوشكين حائراً في سبب تعلّقه بالخريف، لكن ما كان على يقين منه هو أنه يحبه. لا يحب الربيع لأن ذوبان الثلج يبدأ فيه، وتتسخ الأرض. الصيف، بالنسبة له، يمكن أن يكون مقبولاً لولا كثرة البعوض والذباب فيه، فضلاً عن الحرارة الشديدة، الشتاء هو الآخر بغطاء الثلج الأبيض جميل، لكن لا فصل يضاهي جمال الخريف في عينيه.
ولذا قال عنه في قصيدته المشار إليها: «أحب الطبيعة الرائعة للذبول/ غابات مغطاة بالقرمزي والذهب/ والسماء مغطاة بالضباب/ وشعاع الشمس النادر وأول صقيع/ وتهديدات الشتاء الرمادي البعيدة/ كل خريف أزهر مرة أخرى».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bddvuvtj

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"