مواجهة الرأسمالية

كيف نبني عالماً أكثر إنصافاً وديمقراطية؟
23:19 مساء
ترجمة وعرض:
عبدالله ميزر
قراءة 7 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
1
فيفيك شيبر
* فيفيك شيبر أستاذ علم الاجتماع في جامعة نيويورك، له عدة مؤلفات ومساهمات أكاديمية مهمة، كما ينشر باستمرار في صحف بارزة ومجلات محكّمة.

 تولّد الرأسمالية ثروة لا تصدق، لكنها تولّد الظلم أيضاً في الوقت نفسه.. لماذا يهيمن الأثرياء على السياسة في أكبر الديمقراطيات، على الرغم من أعدادهم الصغيرة؟ كيف نبني مجتمعاً يتسم بمساواة وديمقراطية أكثر؟ يركز كتاب «مواجهة الرأسمالية» على هذه الأسئلة التي تتمحور حول الرأسمالية ومواجهتها بسبب تأثيراتها في المجتمعات البشرية كافة، ويقدم رؤية لكيفية بناء مستقبل اشتراكي بروح جديدة يمكن له أن يخفّف الأزمات، ويعزّز العدالة الاجتماعية.

يقدم هذا الكتاب خريطة واضحة وسهلة الوصول لكيفية عمل الرأسمالية وقيودها وكيفية التغلب عليها. يشير المؤلف إلى أن الرأسمالييين يستطيعون ممارسة إرادتهم حتى في ظل ظروف ديمقراطية نسبياً؛ إذ يرى أن السبب الأكثر أهمية هو أن الدول تعتمد على التوظيف والأرباح من المشروع الرأسمالي على الصعيد المالي والشرعي. يقول المؤلف: «بدأ شيء مهم للغاية يتفكك على مدى السنوات الخمس الماضية أو نحو ذلك عبر العالم الرأسمالي المتقدم وهو: انهيار الشرعية الأيديولوجية للنموذج النيوليبرالي للرأسمالية. بعد ما يقرب من أربعة عقود من الهيمنة المطلقة، تتعرض أصولية السوق الحرة للهجوم، ليس فقط بين التجمعات اليسارية الهامشية، لكن في التيار السياسي السائد. لقد أصدر العاملون من جميع الأعراق والأعمار، الذين ناضلوا لسنوات بقناعة أنه «لا يوجد بديل»، على حد تعبير مارغريت تاتشر، تحذيراً واضحاً للغاية بأنهم سئموا من حكم رأس المال غير المقيد. تظهر التعبيرات عن هذا الإحباط بطرق عديدة ومتنوعة، معظمها غير مكتمل، وبشكل ساحق من خلال الثورات الانتخابية بدلاً من الصراع الطبقي المنظم. لكن هذه التعبيرات الرافضة منتشرة للغاية لدرجة أننا نشعر وكأننا في عصر سياسي جديد».

 ظاهرة بيرني ساندرز

 ويضيف: «الغريب أن التحول السياسي يُعبّر عنه بشدة في أكثر الأماكن غير المرغوبة، الولايات المتحدة. بدأ الشعور بذلك من خلال هزة مبكرة بمبادرة من حركة «احتلوا وول ستريت» في عام 2011، ولكن المحفز الحقيقي كان محاولات ترشيح بيرني ساندرز التاريخية من الحزب الديمقراطي ليتسلم منصب الرئاسة الأمريكية في عامي 2016 و2020. منذ دخوله إلى المسرح السياسي الوطني، كان هناك إحياء لا لبس فيه للخطاب اليساري المناهض للرأسمالية، على نطاق كبير. وحتى في وقت من المحتمل أن ترشيحاته الرئاسية انتهت، إلا أن التوجه نحو تحول ديمقراطي اجتماعي في السياسة الأمريكية لم يهدأ؛ بل اكتسب زخماً حقيقياً. فأكبر منظمة يسارية في الولايات المتحدة اليوم هي «الاشتراكيون الديمقراطيون الأمريكيون» التي يقترب عددها من مئة ألف عضو، بعد أن كانت أقل من عشرة آلاف في عام 2015. كما أن هناك جناحاً ديمقراطياً اجتماعياً محدداً من الحزب الديمقراطي، ما زال صغيراً بكل المقاييس المعقولة، لكن وجوده بحد ذاته يعد خطوة مهمة للتقدّم إلى الأمام، وثمة نقاشات داخل اليسار تدور حول قضايا الاستراتيجية والتكتيكات، بينما قبل سنوات قليلة فقط نادراً ما كانت تتفوق على النقاشات المتعمقة حول الهواجس الفلسفية التافهة. وهناك تحول صغير لكن لا لبس فيه نحو تنظيم العمالة».

 تطوير اليسار الصاعد

 يهدف هذا الكتاب إلى المساهمة في تطوير اليسار الصاعد داخل الولايات المتحدة الأمريكية. عندما كانت الحركة الاشتراكية في ذروتها في سنوات ما بين الحربين العالميتين، أنتج المثقفون المرتبطون بالأحزاب الشيوعية والمنظمات الاشتراكية والنقابات العمالية، مجموعة غنية من الكتيبات والمنشورات القصيرة التي تهدف إلى أن تكون الأدوات التربوية والمساعدات المنظمة. حتى إن هذه الممارسة انتقلت إلى اليسار الجديد، وإن كانت أقل قوة. لكن بحلول الثمانينات أصبح فناً يحتضر، بسبب هزيمة اليسار المنظم، ولكن الأهم من ذلك، الاستيلاء الكامل على الخطاب الراديكالي من جانب الطبقات المهنية. يرى المؤلف أنه «بعد أكثر من أربعين عاماً من النيوليبرالية، سيكون طريق العودة إلى العقلانية طويلاً. وليس من المؤكد بأي حال من الأحوال أننا سنحقق ذلك. حتى مع إضعاف أصولية السوق الحرة أيديولوجياً، فإنها لا تزال قوة سياسية مؤثرة. لكي يتغير هذا الأخير، سيتعين على اليسار أن يجمع قوته على نطاق لم نشهده منذ منتصف القرن. في الوقت الحاضر، حتى في الوقت الذي يكتسب فيه اليسار الاشتراكي أساسه الأيديولوجي، فإنه في حالة فوضى سياسية».

 ويرى المؤلف أنه في الوقت الذي يروّج فيه السياسيون الأمريكيون علانية لفضائل السوق الحرة والتجارة المفتوحة، إلا أن الأمر لم يعد في الواقع كذلك. لم يعد الجدل يدور حول ما إذا كان ينبغي ترويض السوق، ولكن إلى أي مدى يجب أن يكون، مضيفاً: فالاشتراكية، التي كانت من المحرمات في المناقشة العامة، انفجرت على الساحة السياسية. ووفقاً لاستطلاع أجرته «أكسيوس/مومينتيف»، كان لدى 41 في المئة من الأمريكيين وجهة نظر إيجابية عن الاشتراكية في عام 2021، ومن بين الفئة العمرية 18-24 عاماً، كانت النسبة 51 في المئة، ما يظهر أن الناس يريدونها. في عام 2015، كانت كلمة «الاشتراكية» من الأكثر إدخالاً على المحرك البحثي «غوغل»، عادت الاشتراكية إلى الأجواء السياسية، لأن هناك إحساساً متزايداً بين العاملين، مفاده بأن المشكلات التي يواجهونها ليست من فعل هذا أو ذاك الحزب أو السياسي، لكنها تنبع من الطريقة التي يعمل بها النظام نفسه. وفي الحقيقة، يشعر بهذا الأمر مليارات البشر. يوضح المؤلف أن المشكلة تكمن في النظام، وإذا كنا سنقوم بأي شيء لتحسين الوضع، فمن المهم أن نفهم كيف يعمل هذا النظام.

 خلاصات أخلاقية وسياسية

 في توضيح من المؤلف، يعرّف الرأسمالية باختصار شديد بأنها نوع من النظام الاقتصادي، أو طريقة يتبعها القطاع الخاص لتنظيم إنتاج السلع والخدمات. ويعلق على ذلك بالقول: لم تكن الرأسمالية الطريقة الوحيدة للقيام بذلك، فقد كانت هناك أنواع أخرى من الأنظمة الاقتصادية، يمكن ذكر مثالين معروفين هنا وهما: اقتصاد العبودية في روما القديمة، والإقطاعية في أوروبا وآسيا في العصور الوسطى. ما الذي يميز الرأسمالية؟ كيف نعرّفها عندما نراها؟ يوضح ذلك قائلاً: إن أبسط طريقة لتحديد الرأسمالية هي على أساس ما يُسمى بالاعتماد على السوق. في المجتمع الرأسمالي، تعتمد الأغلبية العظمى من الناس على السوق، لكسب الرزق. ما يعنيه هذا هو أنه عندما يحاول الناس الحصول على الضروريات الأساسية لرفاهيتهم مثل الطعام، والملابس، والمأوى، عليهم القيام بشرائها أو تأجيرها من شخص آخر. ليس لديهم أي خيار لصنعها بأنفسهم. يتمتع النظام الذي يعتمد فيه الجميع على السوق بعدة خصائص مهمة، يتم الإنتاج للبيع في السوق وليس للاستهلاك الذاتي. ما يعنيه هذا هو أنه عندما يصنع المنتجون شيئاً ما، فإنه ليس لاستخدامهم الخاص؛ بل الهدف الرئيسي هو بيع هذا المنتج لشخص آخر. لهذا الأمر تأثير عميق في جميع جوانب الإنتاج. هؤلاء الأشخاص الذين ينظمون وينفذون القرارات الاقتصادية عليهم الآن التركيز بعقلية واحدة على إيجاد مشترٍ لبضائعهم. لا يهم ما إذا كانت السلعة أو الخدمة عبارة عن شيء يعجبهم شخصياً أو يستخدمونه. كل ما يهم هو أن شخصاً آخر يجدها مرغوبة ويريد شراءها.

الخلاصة الأخلاقية

 الخلاصة الأخلاقية التي يقدمها المؤلف في الفصلين الثاني والثالث هي أن الرأسمالية، في جوهرها، نظام اقتصادي غير عادل، وهو يحرم الأغلبية العظمى من السكان من انعدام الأمن الاقتصادي، إلى أجور منخفضة أو راكدة، ويجبرهم على التخلي عن استقلاليتهم، ويضعهم في مواجهة بعضهم، وكل هذا تأسس داخل النظام. أما الخلاصة السياسية هي أن توزيع السلطة في الرأسمالية يحافظ على الظلم ويدعمه. لقد نجا النظام لعدة قرون، ليس لأن الطبقات العاملة قد فشلت في ملاحظة ظلمه، أو لأنهم سعداء به بطريقة ما؛ بل لأنه في مكان العمل وداخل الدولة، تتراكم الاحتمالات ضدهم إذا حاولوا تغييره، ولهذا السبب كانت الدعوة إلى الاشتراكية شائعة جداً لأكثر من مرة.

 يتوقف المؤلف عند هذا التطور قائلاً: إذا كان الهيكل الأساسي للاقتصاد الرأسمالي يقف في طريق العدالة الاجتماعية، فإنه يدعو إلى تغيير بنيوي عميق وأساسي، ربما إلى نظام اجتماعي جديد تماماً؛ بحيث يمكن للأغلبية العظمى أن تحصل على فرصة في حياة كريمة. ولكن كيف يمكننا تنفيذ هذا التغيير، وكيف سيبدو النظام الجديد؟ خلال الجزء الأكبر من القرن العشرين، اعتقد العديد من مناهضي الرأسمالية أن الثورة الروسية هي التي أوضحت الطريق. اليوم، لم يعد الأمر على ما هو عليه بين الاشتراكيين الشباب على وجه الخصوص، لم يعد النموذج السياسي البلشفي هو النموذج الذي يلبي طموحاتهم. وبدلاً من ذلك، ينظر الاشتراكيون إلى التزام دول الشمال بالديمقراطية الاجتماعية، أو ربما إلى التجارب القصيرة والمثيرة للاهتمام مع سيطرة العمال في بعض البلدان السوفييتية.

 يوضح المؤلف أنه على الرغم من أن التجربة الروسية لا يمكن أن تكون نموذجاً لعالم اليوم، فإن هناك جوانب يمكن الاستفادة منها. وتلقي بظلالها حتى على نجاحات الديمقراطية الاجتماعية؛ بحيث تكون بعض ابتكاراتها ضرورية لأي حركات تقدمية ناجحة. من المهم أن نحصل على جردة لدروس الثورة قبل أن ننتقل إلى البلدان الاجتماعية الديمقراطية ونعاين ما لديها لتقدمه. ويشير إلى أن هناك إرثين كبيرين للثورة الروسية: تنظيمي ومؤسسي. يقصد الكاتب بالإرث التنظيمي تلك القضايا المتعلقة ببناء آليات العمل الجماعي في الرأسمالية، مثل النقابات والأحزاب وما شابه. ويقصد بالإرث المؤسسي تلك البنى الأساسية التي ستشكل مجتمع ما بعد الرأسمالية، أي النظام السياسي، التنظيم الاقتصادي، هيكل الحقوق.

 تحدي الرأسمالية

يوضح المؤلف أن التطلع إلى الأمام يوجب علينا التعلّم من دروس القرن الماضي بشأن الجهود الاشتراكية، وهي أن الطريق إلى نظام أكثر مساواة يمر من خلال مواجهة مباشرة مع رأس المال، وليس من حوله. والأحزاب الوحيدة التي حققت نجاحاً فعلياً في هذا المسعى هي أحزاب الكوادر الجماهيرية ذات الجذور العميقة في الطبقات العاملة. أما التحدي الأكبر الذي يواجه اليسار الآن هو قطع الحبل السري الذي يربطه بالمنظمات غير الربحية والعودة إلى الانغماس في بيئة العمل. يجب على أي تنظيم يساري قابل للحياة تبني السياسة الانتخابية كعقدة أخرى لاستراتيجية ذات شقين؛ حيث يتم دمج السلطة في القاعدة مع جناح برلماني، يغذي كل منهما الآخر. هذه نقطة مهمة للغاية، فلا يمكن لأي من البعدين العمل بمفرده. في هذه اللحظة، يبدو أن البعد البرلماني ينفتح أسرع من البعد في القاعدة، بالتالي على اليسار أن يقفز إليه، ويستفيد منه، ثم يستخدم مكاسبه لبناء القاعدة. لكن ذلك لن ينجح ما لم تستخدم النجاحات الانتخابية لتعميق وتوسيع القاعدة في أماكن العمل والأحياء، دولة تلو الأخرى، ومنطقة تلو الأخرى.

 يؤكد الكاتب أنه من دون القوة التنظيمية للحركة العمالية، لن يؤدي النجاح الانتخابي إلى النجاح الذي يسعى إليه اليسار، قائلاً: في الوقت نفسه، نحتاج إلى تعميق مناقشة حول ما نناضل لأجله. من الواضح أن الاشتراكية القابلة للحياة ستكون نظاماً تعددياً بأحزاب متنوعة مع تراجع كبير في السوق. يجب أن نبدأ في المضي على طريق الديمقراطية الاجتماعية ومن ثم دعم الاشتراكية. لدينا الكثير من الخبرة حول كيفية الوصول إلى الأول، وليس لدينا ما يكفي من الخبرة بشأن الأخير. المهمة الآن هي اتخاذ الخطوة الأولى وإيجاد طريقة لتحدي رأس المال في عصرنا.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

عبدالله ميزر
https://tinyurl.com/bdh95uhx

كتب مشابهة

1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا
1
هاين دي هاس
1
جيريمي غارليك

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
ماكسيميليان هيس
1
شيلا سميث
1
لورا روبسون