تصعيد روسي

00:35 صباحا
قراءة دقيقتين

علي قباجه

بدأت روسيا بتغيير تكتيكاتها العسكرية، لحسم حربها في أوكرانيا التي قالت موسكو إنها تحارب الغرب فيها أكثر من محاربة كييف. فبعد النجاحات الأوكرانية المدعومة بأسلحة ومعلومات استخباراتية غربية، ردّت روسيا بقرارين من المؤكد أنهما سيعيدان صياغة سير المعارك، الأول هو دعمها إجراء استفتاءات في المناطق المسيطر عليها من القوات الروسية للانضمام إليها، والثاني وهو الأهم، إعلان بوتين إعادة التعبئة العسكرية الجزئية في البلاد، واستدعاء نحو 300 ألف مجند، من أصل 25 مليوناً مؤهلين للقتال، ما يعني الاستعانة ب1 % فقط من القدرات البشرية القادرة على حمل السلاح والانخراط في الحرب، كما تم التلويح باستخدام الأسلحة النووية.

هذه المرة، فإن الرئيس الروسي أكد أنه جاد، وحديثه ليس خدعة، الأمر الذي أثار الغرب، لأن تهديداً كهذا لا يمكن أن يمر مرور الكرام، خصوصاً أن الحرب الضروس التي قد تبرز فيها أسلحة الدمار الشامل أصبحت قاب قوسين أو أدنى في ظل الشد الذي لا ينتهي بين المعسكرين، الشرقي والغربي.

بوتين سرد في خطابه التصعيدي مجموعة من المبررات، حيث قال إنه عندما تتعرض وحدة أراضي روسيا للتهديد، سنستخدم كل الوسائل المتاحة لنا، لحمايتها وشعبنا، وأضاف أنه مستعد لاستخدام السلاح النووي، لأن الغرب يحاول تدمير بلاده، ويلجأ باستمرار إلى «الابتزاز النووي» حيالها، متهماً إياه ب«تجاوز كل الحدود في سياسته العدوانية»، عبر إضعاف روسيا وشق صفوفها ومحاولة تدميرها.

توجه روسيا الحالي، هو تصعيد واضح المعالم، وقد أوصلت رسالة مفادها، أن الاستسلام غير وارد في ميزان الصراع الحالي، وفي حال أصرّ الغرب على إلحاق هزيمة عسكرية بروسيا في الميدان، فإن ذلك يعني الانتقال إلى المربع التالي وتوسيع رقعة المعركة إلى خارج الحدود الأوكرانية، على أن يبقى السلاح النووي حاضراً، وستكون له الكلمة الأخيرة إذا تصاعدت الأوضاع بشكل دراماتيكي، ويمكن القول إن رفع بوتين لسقف التحدي ليس موجهاً لأوكرانيا في الدرجة الأولى، بل إلى داعميها الذين لا يتركون فرصة إلا ويصبّون الزيت على نار الحرب عبر مد كييف بكل أسباب الصمود.

أمريكا، وإلى جانبها دول الاتحاد الأوروبي، التي اكتوت بأزمة طاقة لا مثيل لها بعد تراجع الضخ الروسي، وجهت تهديدات لكن لم ترقَ إلى مستوى الخطاب الروسي، فهي من جهة دانت، ومن جهة أخرى توعدت بمزيد من العقوبات، ليكون الرد باهتاً يعطي انطباعاً أنها عاجزة أمام الإصرار الروسي على تحقيق أهدافها، فالغرب يبدو أنه أدرك أن أي خطأ في الحسابات من الممكن أن يشعل شرارة مواجهة واسعة.

روسيا لن تستسلم مهما كانت الأثمان باهظة، أما محاولة إرغامها على التراجع فسيكون لذلك ارتدادات كبيرة، فهي ستلجأ إلى المثل القائل: «عليّ وعلى أعدائي»، وقد ألمح بوتين إلى ذلك مراراً. فهل يتعقل الغرب ويستوعب مطالب روسيا، ويدرك موقعها العالمي، أم أنه سيحاصرها في زاوية قد تتحول إلى كارثة عالمية؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4kptrw9z

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"