ما وراء الأخطاء اللغوية

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل انحدر فهم العربية إلى هذا الحدّ المقلق؟ أمر مؤسف أن يقرأ الكثير من العرب جملة فلا يعرفون موطن الخطأ فيها، وموقع اختلال المعنى الذي لا يستقيم. قد يرى من لا يساوي عنده الموضوع خردلة، أن الطرح أشبه بجعل الحبّة قبّة. حجّته أنه ليس من العدل إلصاق هنة كالآتي ذكرها، بأربعمئة مليون ناطق بالعربية. ولكن الشبكة العنكبوتية مثل قارعة الطريق، ما يحدث فيها مكرّراً مُعاداً، يُعدّ ظاهرة. حين تبدو العربية، وهي اللغة والهويّة، غريبة بين أهليها في أمور عاديّة، لا هي غرائب «رسالة الغفران» ولا البهلوانيات الأسلوبية في «المقابسات» للتوحيدي، فإن المسألة تدعو إلى التفكير الجدّيّ: الفحص الشامل لمعرفة أصل الداء.
جوّالك بيدك. قل لمحرّك البحث «جوجل» أن يُحضر كلمات أغنية «عندما يأتي المساء»، سيأتيك بها قبل أن يرتدّ إليك طرفك، بل ستراها قائمة طويلة من المواقع. تأمّل المطلع متمهّلاً، إن شاء الله بصرك حديد. ثم أرسل البصر ينظر في المطلع المتكرر حرفياً في مواقع شتى، فهل ترى كيف يتكرر الغلط؟ إذا بدا لك الخلل والزلل، فيا بشراك، فأنت من الناجين، وإن خفي الأمر عن الناظر، فلا داعي إلى العويل: «يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسياً منسيّاً».
هكذا تكرر المطلع في المواقع المتعددة: «عندما يأتي المساء.. ونجوم الأفق تُنثرْ.. إسألوا لليّل عن نجمي متى نجميَ يظهرْ». لو حدث هذا الخطأ في موقع شبكيّ وحيد، لكان في الإمكان القول إنه مطبعيّ، زلّة تغتفر، وسبحان من لا يسهو: «ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا». أمّا وقد جرى الزلل على ألسنة المواقع، وكأنها استنساخ للاستمساخ، فإن الظاهرة تستدعي التفكّر في سوء الاقتداء بالكبوة، واقتفاء أثر الهفوة. لم يقل عاقل في المواقع: كلا، إن المعنى لا يستقيم، بل لا معنى لقولك: «اسألوا لليّل»، وما أقبح التركيب: «اسألوا لليلِ عن نجمي»، فليس من العربية في شيء. وإنّما يستقيم المعنى في قول الشاعر: «إسألوا لي الليلَ عن نجمي: متى نجميَ يظهرْ؟».
لك أن تتذكر مقولة أحد علماء الفيزياء، لعلّه هايزنبرج: «حين أرى الناس متفقين معي بالإجماع، أدرك أنني على خطأ». حين أرى المواقع تستنسخ من غير رويّة أدرك أن في الأمر خللاً ما.
لزوم ما يلزم: النتيجة التهاونيّة: بالمناسبة، لغة الأخبار في وسائط الإعلام تعج بالمفردات والتعابير المضادّة لمعانيها. هذه مهمّة مجامع اللغة بامتياز وانحصار.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3hcdrfz9

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"