عادي
هوية متجانسة ونموذج ساطع في علاقات الدول

الإمارات وعمان.. روابط تاريخية وعلاقات راسخة وشراكة متكاملة

01:20 صباحا
قراءة 8 دقائق

إعداد: راشد النعيمي

انطلاقاً من ركائز صلبة وأرضية راسخة تنطلق العلاقات بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان الشقيقة بخطى حثيثة نحو آفاق أرحب، لتحقيق المصالح المشتركة والمتبادلة للدولتين والشعبين الشقيقين في مختلف المجالات، وتستمد العلاقات التي أرسى قواعدها المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراهما، قوتها من جذورها التاريخية المتأصلة وحرص قيادتي البلدين على دفعها نحو مزيد من التطور والتقدم، واستثمار الفرص المتاحة بما يلبي طموحات الشعبين الشقيقين.

وازدادت العلاقات الثنائية الأخوية بين البلدين تمسكاً ورسوخاً في ظل القيادة الحكيمة للمغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه، حيث اعتبرت العلاقة مثالاً للروابط القوية المتأصلة في وجدان البلدين وتاريخهما المشترك.

على امتداد السنوات والعقود الماضية خطت الحكومتان والشعبان الشقيقان خطوات محسوسة لتعميق وتوسيع مجالات التعاون والتنسيق، سواء في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو على صعيد العلاقات الثنائية الطيبة والمتنامية في كل المجالات، ما يستند أيضاً إلى دعم قوي ورغبة صادقة، وبعد نظر عميق للقيادة الحكيمة لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وأخيه السلطان هيثم بن طارق.

وكانت دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان الشقيقة بادرتا وقدّمتا نموذجاً ليس فقط في التوصل إلى اتفاق الحدود المشتركة بينهما وبما يجعل من هذه الحدود جسراً للتواصل ومعبراً للخير لكل من الشعبين الشقيقين، لكن قدمتا النموذج أيضاً في إتاحة التنقل بين البلدين بواسطة الهوية الشخصية لمواطني البلدين عبر مختلف المنافذ الحدودية لهما، كأول تجربة بين دولتين شقيقتين تم تعميمها لاحقاً لتشمل دول مجلس التعاون.

ومنذ تأسيس دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر/ كانون الأول عام 1971، حرص المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، على التأسيس لعلاقات قوية وراسخة مع سلطنة عُمان الشقيقة، في ظل الروابط التاريخية العميقة التي تجمع الدولتين، وكان لدى المغفور له، بإذن الله، السلطان قابوس، الرغبة نفسها في أن تكون العلاقات الإماراتية – العُمانية نموذجاً يحتذى، خليجياً وعربياً، ودولياً أيضاً.

وفي ظل الحرص المشترك لدى القيادتين الرشيدتين في الدولتين الشقيقتين على التأسيس لعلاقات قوية وتعاون متكامل يشمل المجالات كافة، نمَت هذه العلاقات بشكل متطور وتراكمي من مرحلة إلى أخرى، إلى أن وصلت إلى مستوى يجسد عمق الروابط المتينة التي تجمع بين الدولتين، ليس على الصعيد التاريخي فقط ،في ظل ما يجمع الطرفين من تاريخ مشترك، لكن على الصعد الأخرى كافة، ومنها الروابط الاجتماعية القائمة على أواصر القربى بين الكثير من العائلات والقبائل في كلتا الدولتين.

وتعود العلاقات الإماراتية - العمانية إلى عقود مضت، شهد البلدان خلالها محطات بارزة حافلة بالتميز، أسهمت بصورة مباشرة في ترسيخ هذه العلاقات والمضي بها قدماً، منذ اللقاء الأول الذي جمع المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسلطان قابوس بن سعيد في عام 1968.

وبدأت العلاقات الثنائية بين الإمارات وسلطنة عمان في عام 1973 عندما افتتحت دولة الإمارات سفارة في مسقط في 15 مايو/ أيار من العام نفسه، ومنذ ذلك الحين يتمتع البلدان بعلاقات ودية شكلت نموذجاً للعلاقات الأخوية على الصعيدين الثنائي، وفي إطار مجلس التعاون الخليجي.

وشكلت الزيارة التاريخية للشيخ زايد إلى سلطنة عمان في عام 1991 منعطفاً مهماً في مسيرة التعاون بين البلدين، والتي تم على إثرها تشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين، كان من أبرز إنجازاتها اتخاذ قرار بتنقل المواطنين بين البلدين باستخدام البطاقة الشخصية «الهوية»، بدلاً من جوازات السفر، وتشكيل لجنة اقتصادية عليا أجرت العديد من الدراسات لإقامة مجموعة من المشاريع المشتركة.

إخوة متجذرة

وجسد تصريح صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، خصوصية العلاقات الإماراتية العُمانية وعمقها التاريخي؛ حيث قال سموّه: «الإمارات وعُمان أخوّة متجذرة وعلاقات ممتدة لا تزيدها الأيام إلا رسوخاً وقوة ومحبة».

وتجمع البلدين الشقيقين علاقات اجتماعية وثقافية تمتد جذورها إلى عمق التاريخ، وقد مرت خلال العقود الماضية بكثير من المحطات البارزة التي أسهمت بصورة مباشرة في ترسيخها والمضي بها قدماً، وكان المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسلطان قابوس بن سعيد، طيّب الله ثراهما، عقدا لقاء تاريخياً في عام 1968. وتواصل زخم هذه العلاقات بعد قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1971؛ حيث وقعتا على كثير من الاتفاقيات الثقافية والتربوية بينهما، معززة بتبادل الزيارات في مختلف المجالات الثقافية والتربوية بغرض الاستفادة من الخبرات، وتطوير مجالات التعاون.

روابط الدم

ترتبط دولة الإمارات وسلطنة عمان بروابط الدم والنسب، والأهداف واضحة، وعلاقاتهما قائمة على التعاون والتكامل؛ فبين نهضتيهما الكثير من الأطر والتفاصيل المشتركة، فإذا كان الماضي واحداً، فإن الحلم واحد، لأنهما تستحقان دائماً الأفضل، وكل ما هو أجدر بطموح الدولتين الجارتين، وتطلعات الشعبين الشقيقين.

وتمثل علاقات البلدين نموذجاً ساطعاً، لما يجب أن تكون عليه العلاقات بين الدول العربية، خصوصاً المتجاورة منها، وهي تتسم بالعمق والتفاهم والتعاون؛ ففي عام 2008، وُقّعت قوائم الإحداثيات النهائية والخرائط التفصيلية الخاصة باتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين، عام 2003، بشأن تحديد الحدود في القطاعات الممتدة من شرق «العقيدات» إلى «الدارة»، وكانت علامة بارزة في مسار العلاقات الأخوية بينهما، لأنها تترجم الإرادة المشتركة في تجاوز أي مشكلات أو خلافات، وتهيئة البيئة المناسبة لدعم التعاون والتكامل بينهما، فالإرادة التي انعقدت منذ عام 1999، برزت حينما وقّع المغفور لهما الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والسلطان قابوس بن سعيد، اتفاقية لترسيم الحدود، في القطاع الممتد من «أم الزمول» إلى شرق «العقيدات»، ووجدت تطبيقاً لها خلال السنوات اللاحقة، رغم بعض الصعوبات التي اكتنفت وضع الخرائط والعلامات الحدودية، لوعورة تضاريس المنطقة.

وصدر عقب الاتفاقية بيان أكد أنها «إنجاز تاريخي وخطوة مهمة على طريق استكمال تخطيط الحدود في بقية القطاعات»، انطلاقاً من حرص قيادتي البلدين على تأكيد عمق العلاقات، وترسيخ التعاون الأخوي، بما يحقق المصالح والأهداف المشتركة للشعبين الشقيقين. وصادق البلدان عام 2003، على الاتفاقية لتدخل حيّز التنفيذ. ووقّعا في مسقط في 24 مايو/ أيار 2005 على الخرائط التفصيلية للاتفاقية.

موروث مشترك

ويتقاسم البلدان موروثاً ثقافياً مشتركاً من فنون وآداب شكلت هوية ثقافية متجانسة لشعبيهما، ولجميع شعوب منطقة الخليج العربي، فيما تنعكس العادات والتقاليد المشتركة بين الشعبين على الكثير من المفردات، في الشعر والنثر والقصة والموروث الشفهي والأمثال والمرويات الشعبية.

وتزداد الروابط الثقافية والاجتماعية بين الإمارات وسلطنة عُمان تداخلاً وعمقاً، بدرجات كبيرة، تصل إلى مستوى العلاقات الأسرية والعائلية، وتقاسم العادات والأزياء والفنون، نتيجة للتاريخ المشترك والتلامس الجغرافي.

وتمضي العلاقات الأخوية التي تجمع دولة الإمارات وسلطنة عُمان والمستندة إلى روابط تاريخية تجمعها صلة القربى والدم واتساق الرؤى، عاماً بعد آخر، لتؤكد رسوخ العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين الشقيقين، كما تزداد صلابة وتطوراً في ظل دعم ورعاية من قيادتي البلدين، بما يحقق تطلعات شعبيهما وسط نمو سريع في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

وتجمع البلدين الشقيقين علاقات اجتماعية وثقافية تمتد جذورها إلى عمق التاريخ، وقد مرت خلال العقود الماضية بالعديد من المحطات البارزة التي أسهمت بصورة مباشرة في ترسيخها، والمضي بها قدماً. وتعد العلاقات الإماراتية العُمانية مثالاً متميزاً للعلاقات بين بلدين جارين تجمع بينهما وشائج التاريخ والجغرافيا والاحترام المتبادل، والتوجه المستمر إلى تطوير العلاقات في المجالات كافة، والارتقاء بها إلى ما يطمح إليه شعبا البلدين الشقيقين، والتي لا تقتصر على مراعاة المصالح والتعاون البنّاء في المجالات ذات الاهتمام المشترك فحسب؛ بل تمتد لآفاق أرحب لكونها علاقات ذات طبيعة خاصة تميزها أخوّة صادقة وتقارب وتداخل جغرافي قائم على حسن الجوار والصلات الاجتماعية والعائلية الوثيقة التي تحظى بمكانة كبيرة لدى شعبين البلدين، وتدعمها روابط التاريخ والانتماء الإسلامي والعربي والخليجي المشترك.

الصورة

تبادل تجاري بأكثر من 46 مليار درهم

تأتي قوة العلاقات التاريخية التي تجمع دولة الإمارات وسلطنة عمان لتمثل نموذجاً فريداً من الأخوّة والصداقة على المستوى العالمي، وثمرة لحرص القيادة الرشيدة في البلدين على الارتقاء المستمر بأواصر التعاون إلى أفضل المستويات، وتستند إلى مقومات راسخة من التاريخ والمصير المشترك والانتماء الإسلامي والعربي والخليجي المشترك، والأهداف والطموحات المستقبلية المشتركة والمواقف المشتركة إزاء مختلف القضايا الإقليمية والدولية.

وتعزز هذه الأسس الراسخة تعزز النظرة المتفائلة لمستقبل الشراكات الاقتصادية الإماراتية العمانية عبر مسارات التعاون المستمرة وسبل الاستفادة من عوامل القوة الاقتصادية التي يتمتع بها البلدان بما يحقق تطلعات مجتمعي الأعمال الإماراتي والعماني في زيادة التجارة وإطلاق المزيد من المشروعات بدعم حكومي كامل، وبرؤية واضحة للمستقبل، مستلهماً خصوصية القواسم المشتركة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان، التاريخية والجغرافية والاجتماعية، التي انعكست بصورة إيجابية على قطاع الأعمال في البلدين، لاسيما في مجالات السياحة وتبادل الخبرات والدراسات والمعلومات بين الغرف التجارية والترويج للمنتجات.

وتعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري لسلطنة عمان على مستوى العالم، فهي أكبر مصدّر إلى عُمان، وأكبر مستورد منها، وتستحوذ على أكثر من 40% من مجمل واردات عمان من العالم، فيما تستأثر بنحو 20% من صادرات عمان إلى الأسواق العالمية. وقد بلغت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين في عام 2021 أكثر من 46 مليار درهم، بنمو 9% عن 2020 وبلغ متوسط النمو في تجارة البلدين خلال آخر 5 سنوات نحو 10%. وفي المقابل تعد سلطنة عُمان ثاني أكبر شريك تجاري خليجي لدولة الإمارات وتستحوذ على 20% من إجمالي تجارة الإمارات مع دول مجلس التعاون الخليجي.

وعلى صعيد الاستثمار، تعد الإمارات أكبر مستثمر عربي، وثالث أكبر مستثمر عالمي، في سلطنة عمان، وتساهم بأكثر من 8.2% من إجمالي رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في عُمان. وبلغت القيمة الإجمالية للاستثمارات المتبادلة بين البلدين 15 مليار درهم تشمل كل القطاعات والأنشطة الاقتصادية تقريباً.

واستقبلت المنشآت الفندقية بدولة الإمارات في عام 2021 أكثر من 256 ألف نزيل فندقي من سلطنة عمان الشقيقة، بنمو 32% عن 2020 في مؤشر إضافي على عودة النشاط السياحي والتجاري إلى مساره الإيجابي.

وسجّل حجم الصادرات الإماراتية إلى سلطنة عُمان نمواً بنسبة 18،1 في المئة خلال النصف الأول من عام 2021 مقارنة بعام 2020؛ حيث ارتفعت قيمة الصادرات من 6،79 مليار درهم إلى 8،02 مليار درهم، وفي المقابل سجلت الاستثمارات العُمانية المباشرة في الإمارات نمواً بنسبة 46،8 في المئة مطلع عام 2020 مقارنة بمطلع عام 2019.

وفي الوقت الذي تواجه فيه العديد من اقتصادات منطقة الشرق الأوسط والدول المصدرة للنفط تحديات مختلفة لدعم نموها الاقتصادي وتعزيز قدراتها على مواصلة الإنفاق الرأسمالي، تبدو آفاق النمو الاقتصادي لدولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان الأكثر إيجابية على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي، خلال السنوات المقبلة، وفقاً لتوقعات مؤسسات دولية.

اللجنة المشتركة: تعاون في كل المجالات منذ 1991

تعتبر العلاقات الثنائية بين دولة الإمارات وشقيقتها سلطنة عمان، وعلى امتداد أكثر من أربعة عقود، نموذجاً يحتذى لما ينبغي أن تكون عليه العلاقات بين الأشقاء، سواء على الصعيد الثنائي، أو في إطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

وخلال السنوات الماضية قدمت القيادتان الحكيمتان في البلدين الشقيقين الإرادة القوية والدعم المتواصل لدفع العلاقات العميقة والراسخة بينهما إلى آفاق رحبة تضعها في مرتبة العلاقات الخاصة والمتميزة على مختلف المستويات، الأمر الذي عكس مستوى من التميز والرقي قلّما تتصف به العلاقات بين الدول.

وجاء إنشاء اللجنة المشتركة انطلاقاً من رغبة كلا البلدين في تطوير وتعزيز التعاون الفعال بينهما على مبدأ المصلحة المتبادلة والمشتركة في مختلف المجالات، وتنفيذاً لتوجيهات قيادتي البلدين، وتم الإعلان عن إنشاء اللجنة العليا المشتركة للتعاون بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان في مايو/ أيار عام 1991

وبدأت اللجنة أولى اجتماعاتها في نوفمبر/ تشرين الثاني من عام 1991، وشملت التعاون في مجال الربط الآلي في المنافذ البرية، والتعاون في النقل البري للركاب والبضائع، إضافة إلى أسواق المال وحماية المستهلك والبيئة البحرية والربط الكهربائي والطيران المدني والخدمة المدنية، وكذلك المجال التربوي والصحي، والتعاون في مجال الدفاع المدني.

كما ناقشت اللجنة على مر السنوات الماضية، الكثير من الموضوعات، وفي مقدمتها المواضيع التي تلامس حياة المواطنين والمقيمين في البلدين الشقيقين، لاسيما تلك التي تتعلق بتسهيل الإجراءات في المنافذ الحدودية، ومن أجل تفعيل هذا الجانب تم تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة المواضيع التي يُعنى بها الطرفان، ومنها إيجاد الآليات الكفيلة التي تساعد على انسيابية حركة انتقال الأفراد والبضائع بما يؤدي إلى تعظيم المنافع المتبادلة بين البلدين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzdf3mm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"