جودة الأدب

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

عندما التقى أحد الصحفيين إلين ماتسون عضو الأكاديمية السويدية وعضو جائزة نوبل بادرها بسؤاله: كيف أحصل على جائزة نوبل في الأدب؟ فردت بأنه يمكن الفوز إذا كانت لديه موهبة ويقضي حياته في القراءة والتعمق في الأدب والكتابة. وأتبعت قولها بالحديث عن معايير اختيار الفائزين في نوبل وصلة ذلك بالجودة الأدبية وليس بالحياة الشخصية للكاتب، فالأدب الفائز يجب أن يكون أدبًا ممتازًا تشعر به عندما تقرأه وتتلمس فيه نوعًا من القوة والتدفق ويعكس تطوراً ملحوظاً على مر السنين.
وتقتضي وظيفة الين ماتسون وزملائها المحكمين القراءة المستمرة والفاحصة لجميع الأعمال، حتى تلك التي لا يفهمونها أحياناً، فعليهم المثابرة في القراءة وإعادة القراءة حتى يصلوا إلى نقطة يفهمون فيها سبب ترشيح ذلك الكاتب من قبل خبراء الجائزة.
وعلى الرغم من متعة القراءة، فهي ترى أن هذه المهمة عبارة عن تحد مستمر بسبب الأعداد الضخمة للمرشحين والمؤلفين الجدد الذين لم يسبق للجنة المحكمين قراءة أعمالهم، فالعالم مليء بالكتاب الجيدين، لكن خبراءهم المنتشرين في العالم يبحثون عن الفائز الذي يملك شيئاً أكثر.. شيء أشبه بالشرارة وصوت يسمعه المحكمون ويجدونه في عمله وموهبته التي تضفي بُعداً جوهرياً عليه.
ورغم ذلك، تبدو عملية اختيار الفائز بنوبل مغطاة بستار الغموض ويصعب التحقيق فيها أو حتى دراسة الترشيحات أو التقييمات أو المناقشات التي تجريها لجنة نوبل للفائزين المختارين، لأن هذه الوثائق سرية ولا يمكن معرفة ما يدور فيها.
ومع أن هناك كتاباً لا يهتمون بالجوائز ولا يلتفتون إليها، بل ويرفضونها، كما فعل جان بول سارتر الذي رفض نوبل في الأدب في أكتوبر 1964 معللاً ذلك بأنه لا يريد أن يكون مؤسسياً، لكن الجوائز الأدبية أصبحت وبشكل متزايد جزءًا مهمًا من سوق الكتاب والعالم الأدبي لأنها توجه القراء نحو الكاتب والكتب التي عليهم قراءتها وهو أمر بالغ الأهمية في سوق الكتب واقتصاده.
ومع ارتفاع أعداد الكتب العربية المنشورة والمترجمة في العالم، يبدو أن الكتب التي ترشح أصحابها للفوز ليست التي تترجم وتوزع في الغرب كما يعتقد البعض، بل التي تجذب انتباه المحكمين إلى صوت يختلف عن البقية بغض النظر عمن يكون صاحبه، فعندما تسلم نجيب محفوظ جائزة نوبل للآداب عام 1988 أخبره مراسل أجنبي في القاهرة أنه في اللحظة التي تم فيها ذكر اسمه ساد الصمت وتساءل الكثيرون عمن يكون!
لقد شاع طويلاً أن العرب الراغبين في التفوق يهاجرون غالبًا إلى الغرب وكذلك الأدباء الراغبون بالفوز يكتبون بلغات أجنبية، لكن نجيب محفوظ وحده فاز بنوبل لأن أعماله تنفذ بين جدران الأحياء الشعبية، وتستخرج من خلف أنفاس البسطاء قصصاً وحكايات إنسانية لم يسبق للغرب قراءتها من قبل، ولم يتعرفوا عليها إلا من كتاباته.
ومن هنا، قد نخمن بأن أحد الأسباب الرئيسية لعرقلة فوز العرب هو عدم التفاتهم لكنوز حضارتهم التي استلهمها أدبا ء الغرب والتقطوا روائع أعمالهم منها. بل أمعن معظم الكتاب العرب في تجاهل ثروات شرقهم الحافل، ليكتبوا بفكر غربي، ومحاكاة لا تهز المشاعر، ولا تلفت انتباه المحكمين الباحثين عن صوت مختلف لم يسبق لهم سماعه.
كما يجد الأدباء في الغرب دعماً لا محدوداً، حيث تقف وراءهم فرق من مئات الباحثين والمساعدين ليتفرغوا للكتابة والإبداع، بينما لا يمنح العالم العربي أدباءه مثل هذه الموارد، فحتى اليوم لا يستطيع العديد من الأدباء العرب العمل في الكتابة بصفتها مهنة بدوام كامل، بل يتعين عليهم العمل في وظائف أخرى لإعالة أنفسهم ماليًا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2vyeuwp9

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"