عادي

أيام أقصر مُدة

22:16 مساء
قراءة دقيقتين
رؤى وأفكار
رؤى وأفكار

يتألف اليوم من 24 ساعة، أليس كذلك؟ في الواقع، ليس بالضبط، فأيامنا بالكاد تُكمل تلك المدة، إلَّا أنَّ ذلك يحدث غالباً دون أن نشعر، فمن عقد إلى آخر، ومن فصل إلى الذي يليه، بل حتى من يومٍ إلى يوم، يتسارع دوران الأرض ويتباطأ، لتقل ساعات يومنا الأربع والعشرون أو تزيد بأجزاءٍ من الألف من الثانية، وهذه التفاوتات في مدة يومنا ليست مجرد صفةٍ غريبة من صفات كوكبنا الدوَّار، بل تنجم كذلك عن تأثيرات الصفائح الجليدية العتيقة، والرياح العاتية، وديناميكيات لبِّ الأرض.

لكنَّ بعض الأيام تشِذُّ مدتها عن المعتاد بدرجةٍ أكبر من غيرها، انظر مثلاً إلى يوم التاسع والعشرين من يونيو 2022، الذي قلَّت مدته عن الساعات الأربع والعشرين بما يقارب 1.6 ملي ثانية، ما جعله أقصرَ يومٍ سُجِّلَت مدته في التاريخ، لكنَّ هذا لم يفاجئ الخبراء، فعلى مدى أكثر من 50 سنة، كانت السرعة المتوسطة لدوران الأرض تزيد تدريجيّاً، مُقلِّلَةً أيامنا بمقدار أجزاءٍ من الملي ثانية، وهذا الاقتطاع المستمر من طول أيامنا، والذي يحدث منذ مدةٍ طويلة، تضافر مع تأثيرات المواسم على دوران الأرض، ومع دفعةٍ بسيطةٍ أخرى حصل عليها كوكبنا من التأثيرات المناخية اليومية مثل تغيُّرات الرياح، ليجعل كل هذا التاسع والعشرين من يونيو يوماً محطِّماً للأرقام القياسية، وكل ذلك بفضل مبدأ المحافظة على الزخم الزاوي.

وهذا المبدأ، الذي له آثارٌ كبيرةٌ في عالم الفيزياء. تخيَّل نفسك مثلًا تدور سريعاً وأنت جالس على كرسي مكتب دوار، أو تنتعل حذاء تزلُّج على الجليد وتؤدِّي حركاتٍ دورانية، وفي أثناء أداء تلك الحركات، عندما تبسط ذراعيك إلى الخارج، تتباطأ حركة دورانك، وعندما تضم ذراعيك إليك، تتسارع حركة دورانك من جديد.

وينبني الزخم الزاوي على ثلاثة عناصر: كتلة الجسم الدوَّار، والسرعة التي يدور بها، وبُعده عن النقطة التي يدور حولها، وفي مثال كرسي المكتب، عندما تكون ذراعاك مبسوطتين، تزيد مسافة بُعدهما عن الكرسي، وهذا يزيد الزخم الزاوي لهذا الجزء من جسمك.

وكحال الكتلة والطاقة، فإنَّ الزخم الزاوي لا يمكن استحداثه من العدم، فلا بد لذراعيك المبسوطتين أن يستعيرا الزخم الزاوي من بقية جسمك (ومن الكرسي)، وبما أنَّك لا تستطيع تقليص وزنك فجأةً، فالخيار الوحيد المتبقي أمام جسمك إذاً هو إبطاء سرعة دورانه، وهذا ينطبق كذلك على كوكبنا، فالأرض محكومةٌ في دورانها حول الشمس بالقوانين نفسها.

وهناك تفسيرٌ محتمَل، وهو أنَّ اتجاهات التغيُّر هذه في طول الأيام، ترجع إلى الآثار الجانبية لشبه كروية الأرض، والتي تُعرَف باسم «تمايُل تشاندلر».
(سيانتفيك أمريكان)

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2d9j3w3r

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"