حتى الصور غير محايدة

00:05 صباحا
قراءة دقيقتين

سؤال مهم جداً ذاك الذي يطرحه مارك أوجيه: «هل هناك شيء أكثر واقعية وإفصاحاً عن الحياة في الولايات المتحدة الأمريكية من مسلسل أمريكي جيد؟». ولكن الكاتب يحذرنا مما يسميه «النوع المغلوط من الألفة التي تخلقها الشاشة الصغيرة بين مشاهدي التاريخ الأكبر وممثليه، والذي يبدو لنا طيفه مألوفاً جداً شأنه في ذلك شأن أبطال المسلسلات أو النجوم في الفن أو الرياضة.
هذه الوفرة في الصور والفيديوهات تكاد تشكل وبدرجة كبيرة بديلاً عن العوالم التي كانت ملكاً لما يطلق عليه «الإثنولوجيا»، وهذه الأخيرة، حسب معجم المعاني الجامع، تعني علم الأجناس البشرية وخصائصها وتفرّقها، أما «ويكبيديا» فتراها فرعاً من فروع الأنثروبولوجيا، التي تهتم بدراسة الأجناس البشرية القائمة أو التي اختفت، وتهتم الإثنولوجيا، حسب الموسوعة نفسها، بدراسة الظواهر الاجتماعية في المجتمعات، وفق منهج تاريخي لتتبع نشأة الظاهرة وتطورها.
كون وفرة الصور بديلاً لهذا العالم، أو كونها توهم أنها البديل له، ليس أمراً حميداً، والسبب في تقدير مارك أوجيه في كتابه «اللا أمكنة»، يعود إلى أنها «خدعة يصعب علينا تحديد المتلاعب بها»، لأنه مهما بدت لنا الصورة التي تصلنا عبر الشاشات، أكانت شاشات التلفزة أو الحواسيب أو حتى الهواتف النقالة، صورة محايدة، فإنها ليست كذلك، كونها تنطوي على درجة من الانحياز ومن التوجيه، الذي يمكن أن يكون في الكثير من الحالات مغرضاً.
السبب كما يشرحه الكاتب يكمن في أن هذه الصورة «هي واحدة فقط من آلاف الصور المحتملة»، وجرى انتقاؤها بعناية، ليس لأنها الأجود من الناحية التقنية كما يخال لنا، وإنما لأنها توصل الرسالة التي أراد من بثها أن يوصلها، لتمارس «تأثيراً وتمتلك قوة تتجاوز إلى حد بعيد المعلومة الموضوعية التي تحملها».
لنأخذ في الحرب الحالية الجارية في أوكرانيا مثالاً. فإذا كان الإعلام الروسي متهماً بإبراز الصور التي تظهر ما يراه نجاحات عسكرية تحققها قواته في المعارك، وما تتركه الصواريخ الغربية التي تنطلق من أوكرانيا من خسائر في صفوف المدنيين الروس، فإن وسائل الإعلام الغربية معنية بإرسال الرسالة النقيض تماماً ببث الصور التي تظهر مقاومة أوكرانيا للروس، ولما تحققه قواتها من تقدم.
والخلاصة هي أنه ما من صورة بريئة!
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/27xy83de

عن الكاتب

كاتب من البحرين من مواليد 1956 عمل في دائرة الثقافية بالشارقة، وهيئة البحرين للثقافة والتراث الوطني. وشغل منصب مدير تحرير عدد من الدوريات الثقافية بينها "الرافد" و"البحرين الثقافية". وأصدر عدة مؤلفات منها: "ترميم الذاكرة" و"خارج السرب" و"الكتابة بحبر أسود".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"