عادي

تونس.. نزع فتيل المواجهة الاجتماعية

00:12 صباحا
قراءة 4 دقائق
الرئيس التونسي خلال اجتماعه بالأمين العام للاتحاد العام للشغل

د. محمد فراج أبو النور *

بعد مفاوضات ماراثونية شاقة دفعت الحكومة التونسية للاتفاق مع الاتحاد العام للشغل على زيادة الأجور في القطاع العام والمؤسسات الحكومية وعدد من الوظائف العمومية، فضلاً عن زيادة الحد الأدنى لأجور العاملين في المجال الصناعي. ويبدأ تنفيذ الاتفاق اعتباراً من شهر يناير/كانون الثاني المقبل، ويستمر لمدة ثلاثة أعوام.

يقضي الاتفاق بزيادة أجور العاملين في القطاع العام بنسبة (3.5%) والعاملين في المؤسسات الحكومية بنسبة (5%) وزيادة: الحد الأدنى لأجور العاملين في المجال الصناعي بنسبة (7.7%) والعاملين في عدد من الوظائف العمومية بسبب متفاوتة، أقل من النسبة المذكورة ويستفيد من هذه الزيادات أكثر من 680 ألفاً من التونسيين العاملين في مختلف المجالات.

تنازلات متبادلة

وعلى الرغم من محدودية الزيادات التي تضمنها الاتفاق – وخاصة على ضوء التضخم المتزايد كل شهر (6.7% في يناير من هذا العام و7.2 في مارس وهكذا دواليك)، وعلى الرغم من أن المفاوضات من أجل التوصل إلى الاتفاق جرت على خلفية تظاهرات وإضرابات واحتجاجات جماهيرية واسعة ومستمرة، فإن الظاهرة الإيجابية اللافتة للنظر هي التواصل إلى حل وسط، وتقديم تنازلات متبادلة، فالحكومة من جانبها تراجعت عن قرارها السابق بتجميد الأجور، بينما وافق اتحاد الشغل على زيادات أقل طموحاً بكثير مما كان يطلب به في البداية، واضعاً في اعتباره الظروف الاقتصادية و(الدولية) التي تجري في ظلها المفاوضات. وكان توقيع الاتفاق خطوة مهمة نحو تهدئة التوتر الاجتماعي، والصدامات اليومية التي يشهدها الشارع والمؤسسات الاقتصادية والخدمية. وهو ما من شأنه أن يخلق مناخاً أكثر مواتاة لإجراء الانتخابات التشريعية التي أصدر الرئيس قيس سعيد مرسوماً بإجرائها في شهر ديسمبر/كانون الأول المقبل.

شروط صندوق النقد

ومن الضروري هنا الإشارة إلى أن توقيع الاتفاق جرى في ظل شرط معاكس هو الشروط التي يطرحها صندوق النقد الدولي، لمنح تونس قرضاً هي في مسيس الحاجة إليه، لتحسين أوضاعها المالية، وتبلغ قيمته (4 مليارات دولار).

فالصندوق يشترط على حكومة نجلاء بدون تطبيق «روشتته» المعروفة، وفي مقدمة هذه الشروط خفض الإنفاق الحكومي، بما في ذلك تقليص بند الأجور في الموازنة العامة، بما يقتضيه ذلك من خفض عدد الموظفين - وليس مجرد تجميد الأجور - ورفع الدعم عن الطاقة والسلع الأساسية بحلول عام 2024، وخصخصة عدد كبير من المؤسسات الاقتصادية بصورة تامة أو جزئية، في إطار ما يسميه الصندوق «الإصلاح الهيكلي» للاقتصاد، وهي شروط من شأن الاستجابة لها إثارة ردود أفعال اجتماعية غير مطلوبة إطلاقاً، وخاصة في ظل الظروف السياسية الحالية.

«النهضة».. تتلوها كورونا

ومعروف أن سنوات حكم «النهضة»، قد شهدت إدارة ليست ذات كفاءة للاقتصاد ومختلف شؤون الدولة، وتغلغل الفساد في مختلف المؤسسات بصورة أدت إلى تدهور خطِر للاقتصاد التونسي، ثم جاءت أزمة تفشي وباء كورونا، وما صاحبها من إغلاقات وتراجع هائل للسياحة بنسبة (80%) - وهي أحد أهم مصادر الدخل القومي التونسي - لتؤدي إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنحو (9%) حسب أرقام المؤسسات الدولية والحكومية التونسية. كما تراجع سعر صرف الدينار التونسي مقابل الدولار من (2.6) إلى (3.225 دينار) في أوائل سبتمبر/أيلول الجاري، الأمر الذي يعني تدهور مستوى المعيشة والقدرة الشرائية للتونسيين بدرجة كبيرة، وتفاقمت البطالة لتصل إلى (16.8%) عام 2021، كما تفاقم الدين الخارجي ليصل إلى (41 مليار دولار).

الحرب الأوكرانية

ثم جاءت المواجهة بين روسيا و«الناتو» في أوكرانيا لترفع أسعار الطاقة بصورة كبيرة للغاية، وكذلك أسعار الحبوب والمواد الغذائية وكلفة المعيشة عموماً في ظل «استيراد التضخم» وتفاقم عجز الميزان التجاري التونسي، وانعكاساته على العجز المالي للحكومة، ومن ثم احتياجها للاقتراض.

ونذكر هذا كله لنوضح الوضع الكارثي لتونس، واحتياجها إلى قرض صندوق النقد الدولي كبير، والأهم من حصولها على «شهادة حسن السير والسلوك» من الصندوق، لتستطيع الاقتراض من الأسواق الدولية، وهذا ما يدفعنا إلى القول إن الحكومة التونسية واتحاد الشغل قد أحسنا صنعاً بمراعاة كل هذه الأوضاع المعقدة.

الانتخابات

وقد أصدر الرئيس قيس سعيد (16 سبتمبر) مرسوماً يقضي بإجراء الانتخابات التشريعية في (17 ديسمبر) وهي تشمل انتخابات «مجلس نواب الشعب» و«مجلس الجهات والأقاليم»- (برلمان من غرفتين)- وهي انتخابات ستجرى على أساس فردي لتفادي مشكلات فساد أغلب الأحزاب السياسية الكبيرة الموجودة على الساحة، وفي مقدمتها «النهضة» و«ائتلاف الكرامة»- من أحزاب الإسلام السياسي، و«نداء تونس» و«قلب تونس»، وكذلك الأحزاب المسماة بالليبرالية، والمرتبطة بالتمويل الخارجي.

وهذا هو ما عبر عنه نور الدين الطبوبي رئيس اتحاد الشغل التونسي بقوله - تعليقاً على الاتفاق مع الحكومة «المطلوب الآن هو تضافر الجهود لإخراج البلاد من وضعها الحالي».. وهذا ما يشير إلى توجه اتحاد الشغل لنزع فتيل المواجهة الاجتماعية، وخلق شروط مناسبة لإنجاح الانتخابات المقبلة.. وربما كان هذا هو مغزى إصدار مرسوم إجراء الانتخابات في اليوم التالي مباشرة لتوقيع اتفاق زيادة الأجور.
* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yhehzse4

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"