عادي

أمم متحدة غير متحدة

00:30 صباحا
قراءة 4 دقائق

كتب - المحرر السياسي:

عادت الاجتماعات الخاصة بالجمعية العامة للأمم المتحدة، للانعقاد في دورتها السابعة والسبعين بعد فترة من التوقف بسبب جائحة فيروس كورونا، ولم يكن من الممكن أن تأتي هذه المناسبة في موعد أفضل، فالعالم يواجه ظروفاً اقتصادية وسياسية صعبة، والمعنويات منخفضة جداً.

في الوقت الذي تدعو فيه بعض الأصوات إلى تعزيز الجهود الاقتصادية والمجتمعية نحو التعافي التام من جائحة كورونا، فقد أعربت أصوات أخرى لزعماء العالم عن إدانتها لما يحدث في أوكرانيا. وكان الدبلوماسيون الذين يمثلون دولاً حول العالم يتجادلون فيما بينهم حول ماهية المشكلة الأكبر والأكثر إلحاحاً في الوقت الحالي، باستثناء رئيس كولومبيا، الذي اختار أن يخصص معظم خطابة للحديث عن إدمان مسكنات الفينتانيل.

والحقيقة هي أنه ضمن هذا المزيج من الدبلوماسية والنفوذ والتقدم المزعوم داخل أروقة الأمم المتحدة، تم تجاهل العديد من القضايا الجوهرية، وفي هذا العام كان من الواضح ما يجب التطرق إليه ومعالجته، لكن لا عجب في أن الكثيرين قلقون بشأن عجز الأمم المتحدة في وضع حد لأزمات العالم.

ولما يقرب من 77 عاماً، تمكنت الأمم المتحدة، بطريقة بطيئة وبيروقراطية، لكنها ناجحة إلى حد كبير، في منع بعض أسوأ التجاوزات في التقاطع بين الإنسانية والعنف، لكن يبدو أن مهمتها حالياً أصبحت أكثر صعوبة.

قضايا تبحث عن حلول

وهنالك تصوّر أكثر فاعلية لما قد تكون عليه الأمم المتحدة: طاولة مستديرة وسط غرفة، مع وجود عدد كافٍ في الكراسي لجميع رؤساء الدول الذين يرغبون في الجلوس والتعبير عن مصالحهم، على أن يصلوا في نهاية المطاف إلى قرارات تكفل توفير الأمن والسلام والازدهار والمصالح المطلوبة لجميع الأطراف، ذلك لأن النزاعات تنشأ عادة عند الفشل في التوصل إلى إجابة للسؤال «كيف؟».

وهناك العديد من القضايا التي لا تزال تبحث عن حلول، من المجاعة في اليمن، والتي يعتبرها كثيرون واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم المعاصر، علاوة على أهمية وقف إطلاق النار بين طاجيكستان وقيرغيزستان، وكيفية التعافي من تبعات وباء كورونا، خاصة في الدول النامية، وملف التغير المناخي، إضافة إلى الحرب في أوكرانيا، والقضية الفلسطينية والأوضاع في سوريا وليبيا والحرب على الإرهاب، ولاجئي ميانمار وغيرها من الأزمات.

وقد قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة، داغ همرشولد ذات مرة: «لم يتم إنشاء الأمم المتحدة من أجل إدخالنا الجنة، لكن من أجل إنقاذنا من الجحيم». ولسوء الحظ، أظهرت الأحداث الأخيرة أن أياً من الهدفين ليسا في متناول يدها.

وكان ردة فعل الأمم المتحدة على الحرب الروسية الأوكرانية ضعيفاً؛ إذ أصدرت الجمعية العامة إدانات غير ملزمة، ودانت منظمات أخرى تابعة للأمم المتحدة بالمثل تصرفات روسيا. وفي عام 1974، أوقفت الأمم المتحدة عضوية جنوب إفريقيا في المنظمة عقاباً على سياسات الفصل العنصري. لكن اليوم، وعلى الرغم من استمرار أشكال مختلفة من التمييز العنصري في أكثر من منطقة، فإن أي إجراء لم يتخذ ضد من يمارسها، ولم يتم تطبيق أي عقوبات من قبل الأمم المتحدة على أحد بسبب حق النقض (الفيتو) الذي تملكه الدول الكبرى.

الغياب

وفي غضون ذلك، تستمر أوجه القصور المزمنة للأمم المتحدة، حيث أدى ضعف إدارة المالية إلى سوء استخدام ملايين من الدولارات، كما تعرضت العديد من مشاريع التنمية التابعة للأمم المتحدة للاحتيال والفساد.

ولا يمكن إنكار أن الأمم المتحدة تقوم بعمل مفيد من خلال برامج الغذاء وإيواء اللاجئين، لكن الأمم المتحدة دون شك أقل بكثير مما يمكن أن تكون عليه، وقد كشفت السنوات القليلة الماضية بوضوح عن حدودها وإخفاقاتها.

وكان دور الأمم المتحدة في أغلب تلك الحروب مغيباً، وكانت عاجزة عن استصدار القرارات الحيادية التي تعطي الثقة لأطراف المواجهات. وحتى إذا اعتبرنا أنها كانت عاجزة عن أداء دورها في إيقاف تلك الحروب، فقد كان دورها مغيباً أيضاً في إدارتها ضمن القيود التي أوجدتها القوانين الدولية، من ناحية الالتزام بالقانون الإنساني، وبقانون الحرب، وبالقوانين التي تحظر استعمال الأسلحة المحرمة دولياً، أو القوانين التي تمنع استهداف المدنيين والأطفال والبنى التحتية والمستشفيات.

ولذلك، يصعب أن نتذكر وقتاً يواجه فيه العالم مثل هذا العدد الهائل من الأزمات التي تبدو مستعصية على الحل، وذلك في الوقت الذي تقف فيه الهيئة التي يتمثل دورها في التوسط لحل تلك المشكلات عاجزة تماماً عن القيام بدورها، جراء الاستقطابات الدولية الراهنة، ما يفاقم القصور المؤسسي في الأمم المتحدة بلا جدال ويزيد من عجزها، وقد كان منح حق النقض «الفيتو» للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وهي الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وبريطانيا والصين، بمثابة وصفة للجمود بشكل واضح. لكن للأسف، كان هذا هو الثمن الذي كان من الضروري دفعه لضمان مشاركة القوى الكبرى بعد فترة الحرب العالمية الثانية، ولمنح الأمم المتحدة فرصة للنجاح فيما فشلت فيه عصبة الأمم.

وإضافة إلى ذلك، فإن هناك قوى أخرى في اللعبة تفسر إلى حد ما هذه الفترة من الاضطراب العالمي، فالولايات المتحدة، تخوص صراعات ضد روسيا والصين في إطار الصراع على النظام الدولي، إضافة إلى أزمتي البيئة والغذاء.

يبدو أن النظام العالمي الجديد الذي بشر به انتهاء الحرب الباردة، قد مهد الطريق لاضطراب عالمي جديد. وهكذا، فإن الأمم المتحدة منظمة ثنائية القطبية تكون أحياناً فعالة وفي أحيان أخرى غير فعالة. لكن اللوم الأساسي يقع على عاتق الدول الأعضاء نفسها: الأمم التي هي أبعد عن أن تكون متحدة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/5weuynuu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"