تاريــخ اليســار في حزب العمال البريطاني

تحولات وانعطافات مفصلية أثرت في مسيرته
22:35 مساء
ترجمة وعرض:
نضال إبراهيم
قراءة 7 دقائق
1
1
1

عن المؤلف

الصورة
2
سيمون هانا
سيمون هانا كاتب وناشط عمالي. ينشر باستمرار في «أوبين ديمكراسي» و«نيو ليفت بروجيكت».

كان حزب العمال البريطاني معقلاً لتنظيم ونضال الطبقة العاملة. ومع ذلك، هل كان حقاً إلى جانب العمال؟ وهل يمكن الاعتماد عليه لبناء حاجز صدّ في وجه قوى اليمين؟ يقدّم لنا سيمون هانا تاريخاً لأكثر من مئة عام عن البطولة والهزيمة والحركات الجماهيرية التي غيّرت مسار السياسة البريطانية.

يبين الكتاب الصادر في 272 صفحة، عن دار «بلوتو برس» للنشر في أغسطس/ آب 2022، أن تاريخ حزب العمال يشي باحتمالية أن يتمكن من التحرك بعد الإصلاح الاجتماعي، ويصبح حزباً قادراً على التغيير بشكل حقيقي مرة أخرى. ويتضح في هذا الكتاب أن حزب العمال البريطاني كان يمكن أن يصبح في لحظات مختلفة من التاريخ حزباً بأدوار مختلفة، ففي أوقات يروّج للإصلاح الاجتماعي، أو يدافع بثقة عن برنامج إصلاحي ويطلقه، وعندما يسمح المناخ السياسي بذلك، يعد بتغيير تحوّلي واقعي. ويذكر مؤلف الكتاب سيمون هانا، أن دور الحزب يتبلور بشكل طبيعي ضمن البيئة السياسية التي يعمل فيها، والتي بدورها أثرت في التوازن الداخلي للقوى السياسية داخل الحزب.

 تحولات مفصلية

 مرّ حزب العمال البريطاني في السنوات المئة الأخيرة بتحولات وانعطافات اعتباراً من حركة البيفانيت (نسبة إلى أنورين بيفان) وحكومة كليمنت أتلي الشهيرة، إلى ظهور يسار جديد في السبعينات والبليرية في التسعينات، إلى هزيمة كوربن واستُبدل به رئيس حزب العمال الحالي كير ستارمر.  وأكدت هزيمة جيريمي كوربن كزعيم لحزب العمال في عام 2019 ما صرّح به السياسي العمالي الشهير توني بين «لم يكن حزب العمال أبداً حزباً اشتراكياً، على الرغم من وجود اشتراكيين فيه على الدوام».

 ويعاين المؤلف ما قام به اليسار بشكل جيد، وأين ولماذا فشل. ويرى أنه بشكل عام، كان تاريخ اليسار العمالي تاريخ هزيمة، ولم يكن كفاح كوربن مختلفاً في هذا الصدد. لذا يجد أن كتابة حكاية اليسار خلال فترة صعوده وانهياره الدراماتيكي داخل حزب العمال قد يساعد في إلقاء ضوء جديد على النضالات القديمة. ويتناول الكتاب هذه الديناميكية الموجودة في قلب الانقسام بين اليسار واليمين، من حيث الصراع بين الاتجاهات التحويلية والتكاملية، موضحاً التغييرات الاقتصادية والاجتماعية والدستورية والسياسية بعيدة المدى التي تتحدى علاقات القوة القائمة في المجتمع.

 ويقدم الكتاب أهم الصراعات التاريخية لليسار، ويشرح ما كان على المحك في كل مناسبة. ويرى المؤلف أنه «قد يكون تحديد يسار الحزب تحدياً، إذ لم يكن حزب العمال يوماً حزباً اشتراكياً، حتى لو - على حد تعبير توني بين - كان دائماً يضم اشتراكيين فيه»، ويضيف: «تاريخياً ما يُعتبر «يساراً» كان هدفاً متحركاً. ,ما كان يعتبر «يمينياً» في الخمسينات أصبح سياسة يسارية في السبعينات. وبينما كانت الكوربنية بعيدة عن يسار حزب العمال الجديد بقيادة توني بلير، لم تكن راديكالية اقتصادياً مثل سياسة حزب العمال في أوائل السبعينات. ,إن فهم هذه التحولات والسياسات التي تقف وراءها أمر بالغ الأهمية لفهمنا للسياسات الداخلية للحزب».

 انقسامات في الحزب

 نُشرت الطبعة الأولى من هذا الكتاب بعنوانه الأصلي «حزب مع اشتراكيين فيه: تاريخ اليسار العمالي» في عام 2018، ورصد الكاتب فيه اليسار العمالي خلال آخر مئة سنة حتى 2017، وجاءت الطبعة الجديدة المعدّلة لتواكب السنوات اللاحقة حتى 2022. يقول المؤلف: «انتهت النسخة الأولى حينها برواية عن استقبال جيريمي كوربن مثل نجم موسيقى الروك من قبل حشد كبير في مهرجان غلاستونبري الموسيقي. كان هناك شعور بأن استراتيجية الاشتراكيين العاملين في حزب العمال، ومن خلاله لتشكيل حكومة يسارية كانت أخيراً على وشك النجاح. ومنذ ذلك الحين، تغيرت حظوظ اليسار العمالي تماماً إلى الأسوأ، استعاد الوسطيون السيطرة على الحزب، وعُلق كوربن عن العمل كعضو برلماني عن حزب العمال، ونسيت القيادة الجديدة السياسات الراديكالية في السنوات التي قضاها كوربن كزعيم للحزب. وطُرد المئات من الاشتراكيين واستقال الآلاف من حزب العمال».

  ويضيف المؤلف الذي انضم هو ذاته إلى حزب العمال في وقت سابق قائلاً: «أثبتت قيادة جيريمي كوربن لحزب العمال أنها مثيرة للجدل بشكل كبير. لم يتم التشهير، أو التآمر ضد أي زعيم آخر لحزب العمال في التاريخ كما حدث مع كوربن. في الواقع، وبالنسبة إلى جميع الادعاءات بأن كوربن كان غير قابل للانتخاب، كان لا بد من إنشاء آلة دعائية كبيرة من جانب خصومه في الحزب لمنع حزب العمال من الفوز في الانتخابات تحت قيادته وسياساته. وفي بعض الأحيان كانت شدة المعارضة قوية لدرجة بدا أن حزب العمال لم يكن واحداً، بل منقسماً إلى حزبين يتعاركان في حرب أهلية ميؤوس منها. لقد أتاح تجدد المعارك القديمة داخل الحزب - المعارك التي اعتقد معظم الناس أنها حُسمت قبل جيل - فرصة لتقرير تاريخ اليسار العمالي».

 معضلات استراتيجية

يلخص الكتاب سلسلة من المعضلات الاستراتيجية المحرجة داخل الحزب، ويطرح السؤال عما إذا كان اليسار العمالي وصل إلى طريق مسدود، خاصة أن «الكوربنية كمشروع فشلت إلى حد كبير لأنها لم تتعلم من دروس التاريخ»، على حد تعبير البرلمانية ناديا ويتومي، في التقديم الأول من الكتاب، والتي تقول أيضاً: «على الرغم من الجهود الحثيثة التي بذلها العديد من النشطاء، لم يتغير الشيء الكثير من حيث مساءلة الحزب، والنتيجة أنه مهمش الآن مرة أخرى. وتتمثل إحدى المشكلات المتعلقة بعلاقة اليسار العمالي بتاريخه في أنه غالباً ما يتخذ شكل الحنين إلى الماضي، أو التملق الشخصي لأشخاص، مثل جيريمي كوربن وتوني بين. ويعتبر بن وكوربن من الشخصيات الملهمة، ولكن، لا سيما بالنظر إلى الأزمة الاستراتيجية التي نواجهها الآن، فمن غير المناسب التحدث عن الوقوف على أكتاف العمالقة، ثم الاستمرار كالمعتاد. ما نحتاج إليه هو استراتيجية للمستقبل قادرة على إحداث تغيير تحويلي»، وأضاف: «الشكل الذي قد تبدو عليه هذه الاستراتيجية هو سؤال كبير جداً سيتم الرد عليه من جانب حركة أوسع بكثير من دائرة ضيقة من السياسيين، أو حتى اليسار العمالي ككل. وإذا كنّا تعلّمنا أي شيء من تاريخ اليسار العمالي، فهو أنه لم ينهض بمفرده.

 وستشهد السنوات المقبلة تحركات جماهيرية حول أزمة تكاليف المعيشة وتغيّر المناخ والعدالة العرقية، وسوف يتحدد مستقبلنا إلى حد كبير بمدى نجاح هذه الحركات في التأثير السياسي وتطوير التعبير السياسي».

 كتب التقديم الثاني من الكتاب جون ماكدونيل وهو سياسي من حزب العمال البريطاني، وشغل منصب وزير الخزانة في حكومة الظل في سبتمبر/ أيلول 2015. وأصبح عضواً في البرلمان في الانتخابات العامة عام 1997، واحتفظ بمقعده منذ ذلك الحين. متسائلاً: «ما هو حزب العمال؟ كان هذا هو السؤال في قلب تاريخ الحزب منذ أن اجتمع النقابيون والتقدميون الأوائل لمناقشة ما إذا كان ينبغي وجود حزب سياسي مستقل يمثل العمال. ركّز السؤال على ما إذا كان حزب العمل هو إعادة تشكيل اجتماعي يهدف ببساطة إلى تحسين مجتمعنا الرأسمالي الحالي، أم أنه حزب إصلاحي يسعى إلى استبدال الرأسمالية بإصلاح اجتماعي تدريجي، أو حزب تحولي، كما قد يقول البعض إنه حزب ثوري، بهدف الاستبدال الجذري للنظام الاقتصادي والاجتماعي القائم. لقد سعى كل من أولئك الذين يرغبون في إحداث التغيير في مجتمعنا وأولئك الذين يريدون مقاومة التغيير إلى فهم دور الحزب والتأثير فيه».

 بناء بديل اشتراكي

  يشير المؤلف إلى أن صعود وهبوط حزب العمال المستمر، وظهوره مرة أخرى يمكن أن يعطي مؤيديه الأمل في أن تستمر قضيتهم مهما كانت النكسات المؤقتة. ويقول: «اتخذ هذا الكتاب المعركة بين الجناح التحولي الراديكالي والجناح الاندماجي المؤيد للرأسمالية كنقطة انطلاق. وتكمن حكاية المعركة بين هذين الجناحين في أساس تاريخ حزب العمال، ولكن الاتجاه الاندماجي هو الأقوى. وهو موجود حتى في اليسار، وهو في النهاية سبب هزيمة اليسار. وإحدى المشكلات الملحوظة التي تواجه اليسار هي الطبيعة المؤقتة لأي انتصارات واضحة يتم تحقيقها من خلال أي تغيير تحوّلي. أنتج الدم والعرق والدموع في سنوات كوربن سياسات تم التخلي عنها في غضون أشهر مع تولي ستارمر القيادة».

 ويضيف: «من خلال استعراض تاريخ حزب العمال، يتضح ليس فقط مدى عمق الانقسام في الحزب على المستوى الأساسي، ولكن أيضاً الكراهية المطلقة للجناحين تجاه بعضهما بعضاً. واتسمت تجربة محاولة الفوز بالانتخابات خلال حقبة كوربن بأعمال تخريب داخلية لم يسبق لها مثيل من قبل في حزب سياسي بريطاني. ورأى يمين الحزب أن اليسار هو سرطان، ورغب في قطع نموه من الجذور.

 وظاهرياً، يبدو أن حزب العمال يمكن إدارته من قبل اليسار أو اليمين، ولكن في الواقع الحزب ملتصق بهياكله ذاتها للحفاظ على الأداء الوظيفي للرأسمالية، وبالتالي فإنه سيعامل اليسار دائماً كقوة متمردة وغير مرحّب بها. ويصبح هذا هو الحال بشكل أكبر كلما زادت تناقضات الرأسمالية من صعوبة تنفيذ الأجندات الإصلاحية».

ويرى في نهاية الكتاب أن «كل حكومة عمالية رأت أن دورها يتمثل في الحفاظ على الرأسمالية البريطانية ومكانة بريطانيا في العالم باعتبارها «قوة عظمى»، ونتيجة لذلك هاجمت أجزاء من الطبقة العاملة واتبعت سياسات استعمارية في الخارج. إن معركة حزب العمال المستمرة من أجل «استعادة الحزب» مبنية على سوء فهم كامل لتاريخ حزب العمال. وفي حين أن خطاب حزب العمال كان مؤيداً للاشتراكية بشكل أكثر صراحة في الماضي، فإن أفعاله في الحكومة وخلال اللحظات المهمة من الصراع الطبقي كانت تحدد الطبيعة الأساسية للحزب. وعندما يكون هناك خيار بين الاندماج في الهياكل القائمة لرأس المال والدولة أو التحول، يتخذ حزب العمال دائماً المسار الأكثر فائدة لاستدامة الرأسمالية. ويشير مفهوم حزب العمال باعتباره اندماجاً للطبقة العاملة في إدارة الرأسمالية إلى حقيقة أن حزب العمال هو حزب معاد للثورة، تم تشكيله رسمياً في عام 1918 على وجه التحديد، لوقف انتشار الاشتراكية الثورية في بريطانيا، وهو حزب قائم على الولاء الكامل لسياسات البرلمان والدولة والحكم الإمبريالي البريطاني».

 ويختم هذا العمل بقوله: «نحن بحاجة إلى بناء حركات اجتماعية جماهيرية الآن في مواجهة معارضة رأسمالية استبدادية شرسة، ونحتاج إلى بديل اشتراكي ثوري قادر على استخدام أزمات الرأسمالية المتداخلة لبناء نوع مختلف من السلطة، وليس نوعاً واحداً يركز على البرلمان والسلطة».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن المترجم

نضال إبراهيم
https://tinyurl.com/ycnf4p4v

كتب مشابهة

1
زاندر دنلاب
1
داون سي ميرفي
1
مايكل كريبون
بوتين وشي جين بينغ
ريتشارد ساكوا

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"

المزيد من الكتب والكتاب

1
ميريام لانج وماري ماناهان وبرينو برينجل
جنود في كشمير
فرحان م. تشاك
لاجئون سوريون في تركيا
لميس علمي عبد العاطي
1
ديزيريه ليم
1
جيمي دريبر
1
جورج ج. فيث
1
باسكال بيانشيني وندونجو سامبا سيلا وليو زيليج
1
هاين دي هاس