الأسواق تتذكر الأسوأ

21:22 مساء
قراءة دقيقتين

د. لويس حبيقة

في الأسواق المالية، للسوابق تأثير كبير في الحاضر والمستقبل. والأسواق تتذكر سياسات دعم القطاع الخاص الأمريكي من قبل إدارات جمهورية محافظة، أي مع ريغان وبوش. وفي أزمة 2008 أو «الركود الكبير»، ضخ المصرف المركزي النقد في الأسواق بحيث ارتفعت ميزانيته 1,3 ألف مليار دولار في 13 أسبوعاً، بينما لم تتعد ال 850 مليار دولار خلال ال 94 سنة التي سبقت. ومن ناحية المال، دفعت الحكومة 13 مليار دولار لشركة «جنرال موتورز» لتنقذها مدعية أن البطالة ستتضرر، علماً أن الطلب في الأسواق لم يتأثر. واستمرت الحكومة في إنقاذ شركات أخرى في «وول ستريت» وفي قطاع التأمين والعقارات، وغيرها، فلم يعد هنالك حدود للتدخل والإنقاذ.

يقول «ديفيد ستوكمان» في كتابه «التشوه الكبير» إن التحالف بين الإدارات الأمريكية ورؤوس الأموال الكبيرة لا يرتبط بالحزب الحاكم، إذ إن الديمقراطيين والجمهوريين يتصرفون بالطريقة نفسها، ويعتمدون العقيدة الاقتصادية نفسها، والفارق في الكلام فقط. ومشروع أوباما لدعم الاقتصاد والشركات الكبيرة الذي بلغ 800 مليار دولار، مرّ بسرعة فائقة في الكونغرس، أي أقر خلال 21 يوماً. حصلت هذه الأمور في فترة فوائد منخفضة شجعت على الاقتراض، وبالتالي ساهمت في تحقيق أزمة العقارات الكبيرة والإفلاسات، بدءاً من 2007.

وفي سنة 2008، بلغ مجموع الديون في أمريكا 52 ألف مليار دولار، أو 3,6 مرة الدخل القومي، بينما تاريخياً، لم يتعد 1,6 مرة. جنون الاقتراض كبّر الأزمة وأضر بالاقتصاد وساهم في زيادة الفساد. وكان هنالك الكثير من التجانس بين السياستين المالية والنقدية لدعم المصارف الكبيرة وإنقاذ الشركات الكبرى. نشير مثلاً إلى أن شركة «غولدمان ساكس» المالية الضخمة التي أنتجت وزراء مال متعددين حصلت على 19 مليار دولار من الأموال العامة التي لم تكن بحاجة لها لتستمر. وهنالك مصارف حصلت أيضاً على الكثير من المال ك«دوتشه بنك» و«باركليز».

وهنالك محاولات لتضخيم مؤشرات الأسواق لإعطاء الانطباع أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، حتى على حساب الشفافية وحقوق الشركات الصغيرة والمواطن العادي. هذه السياسات المرتكزة على الحوافز المالية والنقدية كبرت الأسواق على حساب سلامتها، وهنا الخطورة. ما هي الحلول التي تعتبر ركيزة سياسة بايدن؟ إعادة ثقة المواطن العادي والشركات الصغيرة والمتوسطة بالأسواق. ووجود «جانيت يلن» كوزيرة مال يطمئن خاصة مقارنة بالوزير السابق الذي أتى من مجموعات الجشع المالي.

وهنالك ضرورة للعودة إلى السياسة النقدية المتوازنة من قبل المصرف المركزي، وهذا ما صرح به الحاكم المجدد له، أي رقابة الضخ كي لا تكبر الأسواق في الحجم، وليس في النوعية. فتكبير الأسواق عبر زيادة المخاطر يضر بالضعفاء. يجب اعتماد سياسة مالية محافظة عبر زيادة الضرائب على كبار الأغنياء لمساعدة الفقراء، ولتخفيض العجز المالي ولمعالجة فجوة الدخل. أخيراً هنالك ضرورة لإلغاء العديد من المؤسسات العامة من اقتصادية ومالية وغيرها، والتي لا تؤدي المطلوب، ما يخفض الإنفاق العام ويرشّده.

*كاتب لبناني

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mrym8mva

عن الكاتب

​خبير اقتصادي (لبنان)

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"