الإمارات محور رئيسي في تحديد الأولويات العالمية

21:23 مساء
قراءة 4 دقائق

د. عبدالعظيم حنفي

كانت قصة النمو العالمي في العقد الماضي هي قصة الأداء المتميز لاقتصادات الأسواق الصاعدة، حيث شهدت العقود الخمسة السابقة تغييرات جوهرية في توزيع إجمالي الناتج المحلي العالمي بين مختلف مجموعات الاقتصادات، فخلال الفترة من عام 1960- 1985 شكلت الاقتصادات المتقدمة في المتوسط نحو ثلاثة ارباع اجمالي الناتج المحلي العالمي. وقد انخفضت هذه الحصة تدريجياً على مستوى الزمن وبحلول عام 2008 كانت قد انخفضت إلى 57 %. وعلى النقيض من ذلك ارتفعت حصة الأسواق الصاعدة بصورة مطردة من نحو 17% فقط في ستينات القرن الماضي إلى متوسط قدره 31 % خلال فترة التكامل التجاري والمالي العالمي السريع التي بدأت في منتصف ثمانينات القرن العشرين، وبحلول عام 2008 -2009 قاربت النسبة 40 % وفق صندوق النقد الدولي. وخلال الفترة من 1986 – 2008 نما إسهام الأسواق الصاعدة لنحو 47% في حين انخفضت حصة الاقتصادات المتقدمة إلى نحو 49%.

ولا يوجد تعريف رسمي للسوق الصاعدة. ولكن تقرير آفاق الاقتصاد العالمي يصنف أربعين من البلدان ضمن مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والنامية متوسطة الدخل وفق تقرير الراصد المالي الصادر عن صندوق النقد الدولي نظراً لارتفاع نصيب الفرد من الدخل. غير أن الدخل ليس هو السمة الوحيدة للأسواق الصاعدة، فمعظمها اقتصاداتها تنعم بنمو قوي واستقرار دائمين، ويمكنها إنتاج سلع ذات قيمة مضافة أعلى مقارنة بغيرها وهي أقرب في طبيعتها إلى الاقتصادات المتقدمة، ليس فقط من حيث مستوى الدخل، ولكن من حيث المشاركة في التجارة العالمية والاندماج في الأسواق المالية أيضاً. وفي ما يلي بلدان مجموعة الأسواق الصاعدة التي تم تحديدها باستخدام تقرير الراصد المالي الصادر عن صندوق النقد الدولي مرتبة حسب الترتيب الأبجدي: الأرجنتين والإمارات وإندونيسيا وإيران والبرازيل وبولندا وتايلاند وتركيا وجنوب إفريقيا وروسيا وشيلي والصين والفلبين وكولومبيا وماليزيا ومصر والمكسيك والمملكة العربية السعودية وهنغاريا والهند. وتم استبعاد بلدين، هما نيجيريا بسبب تصنيفها ضمن بلدان منخفضة الدخل (المؤهلة للاستفادة من التمويل المقدم من الصندوق الائتماني للنمو والحد من الفقر) خلال الفترة التي تغطيها عينة الصندوق (2010 – 2020) وقطر نظراً لأن عدد سكانها أقل من 5 ملايين نسمة.

وتمثل بلدان الأسواق الصاعدة العشرون المذكورة 34 % من إجمالي الناتج المحلي الاسمي العالمي بالدولار الأمريكي و46% على أساس تعادل القوى الشرائية، وهي مدرجة أيضاً على مؤشرات الأسواق الصاعدة شائعة الاستخدام، مثل مؤشر «جي بى مورغان»، ومؤشر «مورغان ستانلي كابيتال إنترناشيونال»، ومؤشر «بلومبيرغ»

ولا يعني هذا القول أن كل الاقتصادات الصاعدة حققت أداء حسناً على قدر المساواة إبان الركود العالمي، فهناك تباين كبير في درجة صمودها أثناء الأزمة العالمية. ويطلق على الاقتصادات الصاعدة أسواق الجبهة الأمامية بسبب إمكانيات نجاحها الكامن والممكن ومن أبرز فئة أسواق الجبهة الأمامية دولة الإمارات التي تواصل اكتساب أهمية في الاقتصاد العالمي، إذ يمكنها الصعود الاقتصادي من القيام بدور أكثر أهمية في تحسين الحوكمة الاقتصادية العالمية، وهي تتبع سياسات جديدة.

وقبل وقوع الأزمة المالية العالمية عام 2008 كان هناك شعور متنام بين المستثمرين وصناع السياسة أن الاقتصادات الصاعدة بقدرتها الاقتصادية الجديدة، أصبحت اكثر قدرة على الصمود أمام الصدمات الناشئة من الاقتصادات المتقدمة. وبمجرد أن بدأ أسوأ ما في الأزمة من زوال أصبح واضحاً أن الاقتصادات الصاعدة كمجموعة نجحت في تجاوز الركود العالمي. ولا يعني هذا القول أن كل الاقتصادات الصاعدة حققت أداء حسناً على قدر المساواة إبان الركود العالمي، فهناك تباين كبير في درجة صمودها أثناء الأزمة العالمية. وإن أسواق الجبهة الأمامية هي التي تجاوزت بنجاح الركود العالمي على نحو افضل مما فعلت الاقتصادات المتقدمة. وخلال الأزمة المالية العالمية أصبحت أسواق الجبهة الأمامية هي المحرك الوحيد لنمو إجمالي الناتج المحلي العالمي، في حين عانت الاقتصادات المتقدمة انكماشاً عميقاً واستمرت زيادة الإسهام المباشر لأسواق الجبهة الأمامية في النمو العالمي على مر الزمن. وأصبحت قوى فاعلة أكثر أهمية في تحديد الأولويات العالمية. وأثبتت الإمارات أنها قوة فاعلة في تعزيز الحوكمة الاقتصادية العالمية وأبرزت زمام القيادة في أسواق الجبهة الأمامية في التصدي للتحديات العالمية التي تواجه الاقتصادات الصاعدة. يتعين أيضاً أن تتعلم الأسواق الصاعدة من النموذج الإماراتي كيفية إدارة المخاطر والحفاظ على الصلابة على النحو الأمثل. ولن يقتصر التأثير الإماراتي على الأسواق الصاعدة فحسب، بل تتزايد أهميته النظامية في الاقتصاد العالمي، ما يسهم بتعزيز الأسواق الصاعدة في تحقيق الاستقرار العالمي أيضاً.

وقد أثبتت أصول الإمارات على رأس أسواق الجبهة الأمامية صلابتها ما خالف التوقعات الأكثر حدة عند تفشي جائحة «كوفيد -19» ووجدت تلك الأسواق حيزاً أكبر للتصرف من خلال سياسات غير تقليدية اعتقد الكثيرون أنها غير متاحة إلا لعدد محدود من الاقتصادات المتقدمة. ولم يفاجأ كبار الاقتصاديين في العالم بمدى كفاءة أداء تلك الأسواق.

* كاتب مصري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mw95mpsa

عن الكاتب

​كاتب مصري - أستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"