عادي
وصفها حاكم الشارقة ب «رواية حقيقية موثقة توثيقاً محكماً»

سلطان يصدر روايته التاريخية الجديدة «الجريئة»

22:11 مساء
قراءة 7 دقائق
سلطان بن محمد القاسمي
صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي

الشارقة: علاء الدين محمود

صدر عن «منشورات القاسمي»، رواية «الجريئة»، لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وهي من الأعمال ذات الطابع التاريخي والتي تغوص عميقاً في أحداث الماضي لتستجلي الحقائق والعبر والدروس في مواجهة التزييف، وتدور أحداث الرواية حول قصة بطلتها ماري بتي الملقبة بالجريئة وعلاقتها بالبعثة الدبلوماسية الفرنسية إلى بلاد فارس، ولعل الملاحظة المهمة في هذا السرد هو تلك الكلمة التي وصف بها صاحب السمو حاكم الشارقة، أحداث الرواية: «هي رواية حقيقيّة موثقة، توثيقاً محكماً».

تكمن أهمية هذه الإشارة لسموه لغرض توضيح أن جميع الأحداث في هذا العمل هي حقيقية، وتنشد التوصل إلى العديد من الحقائق في ذلك الوقت ومنها العلاقة بين ما ورد فيها ومساعدة فرنسا لبلاد فارس في احتلال مسقط، بالتالي فإن الرواية تضعنا أمام سرد يتعمق في التاريخ ويبحث عن حقائقه التي ربما تكون قد تعرضت للتشويه.

تفاصيل

وتبدأ تفاصيل ووقائع وأحداث الرواية، عندما رغب ملك فارس في إقامة حلف مع فرنسا، لاحتلال مسقط من قبل الفرس ومساعدة الفرنسيين لهم، حيث سيطر العمانيون على جميع البحار المحيطة بفارس، كما رغب ملك فرنسا في أن تكون للفرنسيين تجارة مع فارس مثل الهولنديين والبريطانيين، ويتابع السرد في الرواية بدء الترتيبات لإرسال فرنسا بعثة دبلوماسية إلى أصفهان عاصمة الدولة الفارسية، انتهت بالفشل، أما «ماري بِتي» فقد كانت نهايتها بين السجن والمحاكمة بعد قصة كفاح كبير من جانبها تتضمن دفاعها عن نفسها عبر توضيحها للحقائق، فكان أن أرسلت إلى ملك فرنسا خطاباً بتلك المعاني، وتحتشد الرواية بالكثير من المعلومات التي تجعل القارئ في قلب أحداث ذلك الزمان. 

قصة

ومن خلال السرد نتابع قصة السيد جين بابتيست فابر الذي حضر إلى باريس قادماً من إسطنبول من أجل أعمال في بلاط الملك لويس الرابع عشر، والذي يتعرف على الفتاة ماري كلود بتي التي كانت تبلغ حينها 28 عاماً، وفي تلك الأثناء كانت الحكومة الفرنسية تبحث عن شخص بصفات دبلوماسية ويتكلم اللغات الشرقية من أجل قيادة البعثية الدبلوماسية إلى فرنسا، وعندما علم فابر بالأمر أخذ يتحدث عن معرفته ببلدان الشرق ولغاتها، وهو الأمر الذي وصل إلى الحكومة الفرنسية ليتم اختياره في عام 1703، وتكليفه بالمهمة ليكون سفيراً لدى الملك الفارسي شاه سلطان حسين.

وتتوالى أحداث الرواية، حيث تم الإعداد للبعثة الدبلوماسية، ودراسة كل احتياجاتها، وتم وضع خدم وحاشية للسفير، وهو الأمر الذي صار معه السيد فابر غير قادر على دفع ثمن طعامه وحاشيته وخدمه، ما أضطره للجوء إلى ماري بتي، حيث ترجاها أن تقدم له يد العون، قامت الفتاة بتقديم المال اللازم له والذي بلغ 8000 ليرة فرنسية، ووقع فابر اعترافاً بأن يدفع لبتي ذلك المبلغ من راتبه، وعندما استلم فابر راتبه لم يتم دفع القرض الذي عليه لبتي قبل مغادرته لباريس، وعندما غادرت البعثة إلى ليون لحقته هناك ثم إلى مارسيليا دون طائل.

أحداث

يستمر السرد الشيق ليحكي قصة ملاحقة بتي لدَينها من أجل استرداده، حيث تنكرت في زي شاب ذكر واعتلت ظهر السفينة «ترايدنت»، المتجهة إلى بلاد فارس وهي تشق عباب البحر الأبيض المتوسط، ويتم اكتشاف أمر الفتاة من قبل البحارة، وتجري العديد من الأحداث حيث يتوفى السيد فابر، ويحدث نوعاً من الصراع على إدارة السفينة والبعثة، ويشير السرد إلى موقف السيد دي فيريول سفير فرنسا في إسطنبول والذي كان معترضاً على تولي فابر مهمة البعثة في فارس نسبة لتواضعه. 

محاكمة

وتتابع السفينة رحلتها حتى وصولها إلى إسطنبول ثم يرفان، وما جرى هنالك من أحداث بطلتها بتي التي ظلت تدافع عن البعثة في وجه المصاعب التي ظلت تتعرض لها، كما ظلت تطالب بدَينها دون كلل أو ملل، رغم ما لقيت من أمرها من اتهامات طالت شرفها وتعرضها للمحاكمة، بعد قصة استمرت قرابة 11 عاما ظلت خلالها بتي تناضل من أجل حقوقها.

الرواية تقع في 86 صفحة من القطع المتوسط، وتتوزع على 5 فصول وهي: البعثة الدبلوماسية الفرنسية في فارس، ووفاة السفير فابر، وماري بتي سيدة الموقف، والصراع على السلطة بين ميشيل وبتي، واستمرار بيتي في ملاحقة دَينها.

مصادر

والرواية تستند على عدد كبير من المصادر والمراجع المتنوعة والمخطوطات، الأمر الذي يضع أمام القارئ الكثير من المعلومات، إضافة إلى ما تمتع به الرواية من أسلوب بديع يميل إلى البساطة من أجل جعل المتلقي يتابع الأحداث، وكذلك قوة الوصف والتقاط التفاصيل الصغيرة وغيرها من تقنيات السرد الأمر الذي صنع تفاصيل عمل روائي شيق وممتع، ولعل القارئ أيضاً يتوقف كثيراً عند غلاف الرواية كعتبة نصية مهمة ومعبرة عن فضاء النص، والملاحظة المهمة في ذلك السياق هو التصميم المبدع للغلاف وفكرته، حيث تظهر فيه الفتاة بتي وهي على ظهر السفينة وترتدي ملابس الرجال في رحلة البحث عن استرداد دَينها على فابر.

المعنى

الرواية جاءت وهي حافلة بالمعاني والحقائق التاريخية، ومن خلال سير السرد والأحداث يتعمق القارئ في العديد من المواقف التاريخية التي كان الشرق مسرحها في ذلك الزمان، ولعل القارئ يلاحظ مساراً تاريخياً ابتدره صاحب السمو حاكم الشارقة عبر مؤلفه المهم: «العلاقات العمانية الفرنسية 1715-1905»، والذي نتابع عبره مساعدة الفرنسيين للفرس في احتلال عمان، ولعل المتابع لمؤلفات سموه السردية يلاحظ أنها تطرح موضوعات تتضمن الكثير من الأفكار والمعاني، وبالتالي تعتبر هذه الرواية إضافة جديدة في مجال السرد التاريخي لعدد من مؤلفات صاحب السمو مثل: «الشيخ الأبيض»، الصادرة عام 1996، و«الأمير الثائر»، 1998، و«الحقد الدفين»، 2004، و«بيبي فاطمة وأبناء الملك»، 2018، و«رأس الأمير مقرن» 2019، و «الشيخ المتصوف راشد بن مطر القاسمي»، 2022، و«سيرة سلاطين كلوة»، 2022، وعدد من المؤلفات السردية والتاريخية الأخرى التي أثرت المكتبة العربية.
من أجواء الفصل الثاني
وفاة السفير «فابر»

كان عبور البحر الأبيض المتوسط من «تولون» إلى الإسكندرونة، قد استغرق ستة أسابيع، فقد وصلت السفن الملكية إلى ميناء الإسكندرونة في اليوم الثامن من شهر إبريل عام 1705.
استقبل الآغا، الحاكم التركي لميناء الإسكندرونة، السفير «فابر» ومرافقيه، وزوّدهم بالخيول والبغال، وقد كتب الآغا رسالة خاصة لمراكز الجمارك على الطريق إلى حلب، بتسهيل مرور البعثة الدبلوماسية الفرنسية، وفي الثالث عشر من شهر إبريل عام 1705م، توجّهت البعثة الدبلوماسية الفرنسية إلى مدينة حلب.
كان قائد السفينة الملكية «ترايدنت»، «أم.دي تورجس» قد شاهد القافلة التي تقلّ البعثة الفرنسية، في طريقها إلى حلب، وهي تمرّ بالقرب من ميناء الإسكندرونة، فأمر السفن الحربية المرافقة له، أن تتبعه.
في السابع عشر من شهر إبريل عام 1705م، وصلت القافلة إلى حلب. كانت السيدة «دو هامل»، زوجة كبير الخدم، أي «ماري بِتي»، تتجوّل في مدينة حلب، دون أن تغطي وجهها حسب التعليمات العثمانية، ممّا أثار شباب مدينة حلب لمتابعتها والتغزّل بجمالها، وهي تقابل كبار الشخصيات في مدينة حلب.
قام الحاكم التركي لمدينة حلب، وكذلك رجال الدين المسيحي في حلب، بالتدخّل بمنع السيدة «دو هامل» من تلك التصرفات. 
من أجواء الفصل الثالث
ماري بِتي «سيدة الموقف»

بعد وفاة السفير «فابر»، دُعي قاضي «يريفان»، بناء على طلب «ماري بِتي»، ليعدّ قائمة جرد بكل ما يخصّ الراحل «فابر»، من أشياء وملابس، وكل ما يخص «ماري بِتي»، ويخصّ كل من كان في تلك البعثة، وخدم السفير «فابر». أُرسلت قائمة الجرد إلى «ماري بِتي»، وسُلّم كل ما يخص «فابر» الراحل لديوان الخان في «يريفان».
وصلت البعثة الفرنسية القادمة من إزمير إلى مدينة «يريفان»، حاملة هدايا ملك فرنسا، بقيادة «جوزيف فابر» ابن السفير «فابر» وابن أخيه «جاك فابر» و«سوفر» الأرمني، والحاشية. 
قام خان «يريفان» وأمر القائم على ديوان الخان، أن يسلم كل ما يخص الراحل «فابر» ل«جوزيف فابر»، ابن السفير «فابر» الراحل. 
أمام ذلك الحشد من الفرنسيين، كان الحزن الشديد بادياً على رئيس الخدم للسفير «فابر»، «دو هامل» زوج «ماري بِتي» المزيف، ولما سمعه من شائعات حول «ماري بِتي» وخان «يريفان» بأنهما هما اللذان وضعا السم ل«فابر» الراحل؛ حيث قال ل«ماري بِتي»: «أنت عاهرة». 
طلبت «ماري بِتي» من خان «يريفان» أن يعاقب «دو هامل»، فألقي القبض عليه وأُودع السجن.
ما إن انتهت الإجراءات، حتى كتب خان «يريفان» إلى ملك فارس ليعلمه بموت «فابر»، وفي الوقت نفسه أبلغ خان «يريفان»، «ماري بِتي» وكل الفرنسيين بأن يذهبوا إلى «كاناكير» (Kanaker)؛ وهي بلدة صغيرة إلى الشمال من «يريفان»، وتبعد عنها مسافة أحد عشر كيلومتراً؛ حيث كان خان «يريفان» قد أمر بإنزالهم في بيت أطلق عليه بيت الفرنسيين التابع للقنصلية الفرنسية في «يريفان».
امتثل جميع أعضاء البعثة الفرنسية مباشرة، وفي يوم كانوا يجلسون على طاولة، أحضرت امرأة سلّة فواكه، فقام الخادم «جوستنياني» (Justiniani) وقدّم سلّة الفواكه إلى «جوزيف فابر»، والذي أخذ منها ما شاء، ثمّ قام الخادم «جوستنياني» ووضع السلة بعيداً. 
أرادت «ماري بِتي» أن تمنع ذلك الأمر والذي لم توافق عليه، فعارض إرادتها الخادم «جوستنياني» بفظاظة، فقامت «ماري بِتي» وأخذت رمانة ورمتها على رأس ذلك الخادم، الذي تفوّه بعدد من الإهانات لها.
سحب الخادم «جوستنياني» خنجراً ليطعنها، ولكن مُنع من قبل الأشخاص الحاضرين. هرع الخادم إلى غرفته ليحضر مسدّساً ليطلق النار عليها، ولكنه مُنع من جديد من فعل ذلك. سبّب ذلك الفعل فوضى عارمة في بيت الفرنسيين، وأعلن عن ذلك الأمر في بلدة «كاناكير»، ووصل خبر تلك الحادثة إلى مسامع خان «يريفان»، والذي أمر ابنه، وآخرين أن يذهبوا ويستعلموا عن الحقيقة وكل الملابسات.
علم ابن خان «يريفان» ومن كان معه سريعاً بالأمر، وأبلغوا خان «يريفان»، والذي طلب من «ماري بِتي» أن تحضر إلى «يريفان»، وما إن وصلت، ودّ الخان أن يعرف حقيقة الواقعة من «ماري بِتي».
أرسل الخان إليها فجاءت أمام الحاضرين؛ حيث قدمت رواية واقعية لما حدث بينها وبين الخادم المدعو «جوستنياني». أرسل الخان ل«جوستنياني»، وبعد سماعه، أمر أن يؤخذ إلى سجن «يريفان»؛ حيث لم يكن لديه أي سبب جيد يبرّر التصرف الخاطئ الذي اتهم به، والوقاحة التي ارتكبها في حقّ المرأة.

الصورة
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/c84arax6

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"