حالة الطوارئ اللغوية القصوى

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

هل يتابع اللغويون العرب، ولو بغير انتظام، العربية الصادمة في وسائط التواصل؟ هل يتساءلون عن أسباب المأساة؟ ههنا منطلق الفرس نحو تطوير تدريس اللغة: لماذا يجد الناس صعوبة في التعبير عن أمور عادية جدّاً؟ كيف تبخّر كل ما تعلّموه؟ ما علّة لجوء أعداد لا تحصى إلى اللهجات العامية؟ الكوميديا اللغوية أن ينظر اللغويون إلى استخدام الدارجة على أنها ديمقراطية وحرية تعبير، أو بالبلاغة الماركسية دكتاتورية البروليتاريا اللغوية.
لا علينا بموضوع تدنّي الإدراك السليم لمعاني المفردات، فهذا مبحث يحتاج إلى مجلدات. خفض الوزن أو التنحيف يعبّرون عنه بخسارة الوزن. هل صار العرب يجهلون معنى الخسارة؟ تعبير رائج في وسائط الإعلام والتواصل. تظنهم يمزحون حين يقولون: في ظل القصف، في ظل القمع. هؤلاء لا يعرفون المقاصد البعيدة من قول الحكيم كونفوشيوس: «عندما تفقد الكلمات معانيها، يفقد الناس حريتهم».
من حقنا الحلم. الحلم مثلاً بمجامع لغوية تعلن حالة الطوارئ القصوى، حين تفاجأ بعشرات الألوف، قل مئات الآلاف، من العرب لا يحسنون كتابة جملة فيها أحياناً كلام فارغ، في تغريدات ليست بالتغريد، بل هي التقريد لسلامة العربية. فوراً يدعو كبار اللغويين إلى عقد مؤتمر مع واضعي المناهج، وما لم يعالج في قرون، يجب أن ينجز بين عشية وضحاها. ضربة سيف الإسكندر. العقل العربي نائم ورجلاه في الماء. على قومنا أن يتعلموا ما يجب أن يسمى «العصبية اللغوية» بالاستفادة من التعبير الخلدوني. 
إعلان حالة الطوارئ اللغوية كان حيّاً نابضاً متوقداً لدى القدامى. يروى عن الكسائي أن ابنته قالت له: «ما أجملُ السماء؟» بضم اللام، فقال لها: النجوم. لكنه انتفض حين أعلمته بأنها قصدت التعبير عن جمال السماء، فيكون فتح اللام المقصود. ويروى أن الإمام عليّاً أعلن حالة الطوارئ اللغوية حين لاحظ كثرة اللحن لدى الناس، فأمر بتأسيس النحو. 
نحن لا نطمح إلى أن يصير أطفالنا كذلك الصبي البدوي في فجر الإسلام، الذي جاء أحدهم يعلمه القرآن، قال: قل «تبت يدا»، فقال: تبت يدان، قال قل: تبّت يدا، فقال الصبي: تبّت يدان. قال: قل «تبّت يدا أبي لهب»، فقال: «تبت يدا أبي لهب»، لأن النون لا تحذف إلاّ عند الإضافة. هذه هي الملكة اللغوية الخلدونية.
لزوم ما يلزم: النتيجة الجناسية: مسار العربية على هذا النحو، سيؤدي إلى «محو النحو وصرف الصرف»، كما يقول فضيلة الفاضل بن عاشور.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8zukv8

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"