عادي

كونديرا: موت الغرب أم نهاية الرواية؟

01:01 صباحا
قراءة 3 دقائق
1101

القاهرة - «الخليج»
«على الرغم من أن كافة النصوص المنشورة في الصفحات التالية، مدينة بكتابتها لظروف محددة، فقد كتبتها جميعاً على أساس أنها ستكون مترابطة فيما بينها، بحيث تؤلف كتاباً، يقدم كشفاً بتأملاتي حول فن الرواية» هذا ما يستهل به الروائي التشيكي «ميلان كونديرا» كتابه «فن الرواية» (ترجمه إلى العربية بدر الدين عرودكي).
يشير «كونديرا» إلى ما كتبه الفيلسوف الألماني هوسرل قبل وفاته بثلاثة أعوام، عام 1935، في محاضرة شهيرة ألقاها ببراغ، حول أزمة الإنسانية الأوروبية، التي ولدت مع الفلسفة اليونانية القديمة، فقد أدركت هذه الفلسفة في نظره العالم، بوصفه مشكلة يجب حلها للمرة الأولى في التاريخ.

كانت الأزمة التي كان هوسرل يتحدث عنها تبدو من العمق، بحيث كان يتساءل عما إذا كانت أوروبا ستتمكن من البقاء بعدها، وكان يعتقد أنه يرى جذور هذه الأزمة، في بداية العصور الحديثة، لدى جاليليو وديكارت، في الطابع أحادي الجانب للعلوم الأوروبية، التي قلصت العالم إلى مجرد موضوع للاستكشاف التقني والرياضي. صار الإنسان الذي ارتقى سابقا مع ديكارت مرتبة «سيد الطبيعة ومالكها» مجرد شيء صغير في نظر القوى (قوى التقنية، والسياسة، والتاريخ) التي تتجاوزه وترتفع فوقه، وتمتلكه، لم يكن لكيانه وحياته، في نظر هذه القوى، أي ثمن، ولا أي مصلحة، فقد نسي سلفا، كما صاغ التعبير هيدجر– تلميذ هوسرل– «نسيان الكائن».

أزمة أوروبا

كانت المحاضرات التي يتحدث فيها هوسرل عن أزمة أوروبا، وإمكانية اختفاء الإنسانية الأوروبية، تؤلف وصيته الفلسفية، لقد ألقاها في عاصمتين من عواصم أوروبا الوسطى، ولهذه الصدفة دلالة عميقة، فالواقع أنه وللمرة الأولى في تاريخ أوروبا الوسطى، استطاع الغرب أن يرى موت الغرب، أو على وجه الدقة اقتطاع جزء منه، في الحرب الأولى، أدت إلى نهاية هذه الإمبراطورية، وخلخلت توازنها إلى الأبد.

يرى كونديرا أنه قد مضى آخر الأزمنة الهادئة، التي كان الإنسان لا يقاوم فيها سوى وحوش نفسه، أي أزمنة جويس وبروست، يأتي الوحش في روايات كافكا وهازيك وموزيل من الخارج، ويسمى التاريخ، إنه لم يعد يشبه قطار المغامرين، فهو عسير الإدارة، غير واضح، إنها اللحظة التي رأت فيها كوكبة كبار الروائيين في أوروبا الوسطى، وأدركت المفارقات النهائية للأزمنة الحديثة.

يوضح كونديرا أنه لا يجب أن نقرأ رواياتهم كنبوءة اجتماعية وسياسية، شأن أورويل، إن ما يقوله لنا أورويل كان يمكن أن يقال، وربما بشكل أفضل، في مقال أو بحث نقدي، وفي المقابل يكشف هؤلاء الروائيون ما لا يمكن سوى للرواية وحدها أن تكتشفه.

يشير كونديرا الذي رفض قراءة الروايات كنبوءة اجتماعية وسياسية إلى أنه يجري الحديث، منذ وقت طويل عن نهاية الرواية، على ألسنة المستقبليين والسيرياليين، لصالح مستقبل، مختلف جذريا، لصالح فن لا يشبه في شيء ما، وستدفن الرواية باسم العدالة التاريخية، تماما كالبؤس والطبقات المهيمنة والنماذج العتيقة من السيارات والقبعات ذات الشكل العالي.

يقول كونديرا: الواقع أنه إذا كان سرفانتس هو مؤسس الأزمنة الحديثة، فإنه على نهاية ميراثه أن تعني أكثر من مجرد استراحة، في تاريخ الأشكال الأدبية، إذ إنها تعلن نهاية الأزمنة الحديثة، لذلك تبدو لي الابتسامة البلهاء التي نعلن بها موت الرواية باطلة، لأنه سبق لي أن رأيت وعشت موت الرواية، موتها العنيف بواسطة المنع والرقابة والضغط الأيديولوجي في العالم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2hhbpdf8

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"