انتصار الشقراء الذكية

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين

تختلف تقديرات الخبراء كما ردود الفعل الدولية حول ما إذا كان الانتصار الذي حققه اليمين الشعبوي في انتخابات إيطاليا يشكل انعطافة جذرية في الاتجاهات السياسية والاجتماعية في هذا البلد وفي الواقع الأوروبي بشكل عام.
 وتؤيد بعض الكتابات الرأي القائل بأن وصول حزب جورجيا ميلوني إلى قمة السلطة في إيطاليا يمثل ذروة نجاح المد الشعبوي الذي بات يغزو الدول الأوروبية بما يشكل تهديداً لاستقرار أنظمة الحكم القائمة منذ سنوات طويلة على أكتاف أحزاب اليمين المعتدل والتيارات اليسارية والاشتراكية. ويقول هؤلاء إن تمدد هذا التيار الجديد يمكن أن يفرز أوروبا جديدة غير تلك التي اعتاد الناس على رؤيتها.
 وفي مقابل هذا الرأي يعتبر محللون آخرون أن ما حدث في إيطاليا لا يعدو كونه تغييراً محدوداً على سطح الممارسة السياسية لا يصل الى الجذور أو الأعماق البعيدة، وغير قادر على قيادة تغيير حقيقي في فلسفة الحكم المستندة إلى النهج الليبرالي والنيو ليبرالي وحرية التجارة والأسواق والحفاظ على التفوق الاقتصادي والعسكري والثقافي للغرب.
 ويوضح هؤلاء أن التيارات الشعبوية تمثل في أفضل الأحوال أصوات احتجاج غاضب داخل المؤسسة نفسها. وربما جماعات ضغط شعبية فاعلة سياسياً، لكنها لا تملك مساراً بديلاً وأن التغيير الذي تحمله وتبشر به خلال الحملات الانتخابية لا يتخطى مستوى السياسات الداخلية المتعلقة بمواجهة موجات الهجرة غير الشرعية ووضع اللاجئين، وتلك المتصلة بالوضع الاقتصادي واستقرار أسعار السلع والخدمات ومنح الأولوية القصوى في كل ذلك لمواطن الدولة.
 وعندما فاز حزب ميلوني بانتخابات إيطاليا سادت توقعات بحدوث تحولات كبرى في السياسة الخارجية ومخاوف على مستقبل التحالفات القائمة، خصوصاً العلاقات الوثيقة بين إيطاليا والاتحاد الأوروبي. وفي ظل احتدام المنافسة بين الولايات المتحدة وشركائها الأوروبيين من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى، ومع واقع الحرب في أوكرانيا، نشأ وضع ضبابي تم تفسيره بطرق متباينة من قبل أطراف مختلفة.
 وفي أول تعبير عن حالة عدم اليقين السائدة قال الرئيس الأمريكي جو بايدن إن فوز اليمين الشعبوي في إيطاليا يطرح خطراً يهدد الديمقراطية. وأطلقت المفوضية الأوروبية تحذيرات علنية من مغبة الانحراف عن جادة العلاقات مع أوروبا.
 لكن ميلوني سرعان ما بددت مخاوف المعسكر الغربي كما بددت تطلعات المعسكر الآخر. وسعت خلال حملتها الانتخابية إلى النأي بنفسها عن الجذور الفاشية لحزبها في حين وجهت نداءات قوية لتعزيز الوحدة الأوروبية بعد فوزها في الانتخابات. لكن معركتها ضد المهاجرين بقيت كما هي. ليس ذلك فقط بل إن العديد من الأحزاب والتيارات السياسية الإيطالية باتت قريبة من الرؤية التي طالما تبنتها زعيمة حزب «إخوة إيطاليا».
 ويقول الناشط الحزبي فابيو رامبيلي الذي تبنى ميلوني بأمل تكوين جيل جديد من السياسيين المحافظين، إن ميلوني «كانت شقراء ذات عيون زرقاء ونحيفة وهادئة وذكية. كانت أيضاً قوية جداً لكنها لم تكن إيديولوجية. هذه هي كل الخصائص التي نحتاجها لنقل اليمين الإيطالي إلى المستوى التالي».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4tzfd6k2

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"