عادي

تعرّف إلى دوافع أفعال القسوة

22:58 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: «الخليج»

عن المركز القومي للترجمة صدر كتاب «القسوة.. شرور الإنسان والعقل البشري»، تأليف كاثلين تايلور وترجمة وتقديم فردوس عبد الحميد البهنساوي.

ويقدم الكتاب مقاربة علمية لظاهرة القسوة، باعتبارها واحدة من أكبر المشكلات في المجتمعات الإنسانية، وهو محاولة لاكتشاف آلية اتخاذ القرار في عقول البشر، قبل فعل القسوة، وارتكاب الجرائم، وبذلك تفترض المؤلفة أننا «لو فهمنا لماذا يرتكب الناس الجرائم الفظيعة فقد نستطيع منعها».

ويطرح الكتاب أفكاراً مهمة عن دوافع أفعال القسوة، ومن بينها التهديدات المختلفة، وأهمها التهديد بإنكار الحقوق، أو تغيير الثوابت الأخلاقية، أو التدمير المادي في الحروب، لكن المؤلفة ترى أن القسوة تنشأ أساساً من فشل الإنسان «فالقسوة أدعى أن ترتبط بالفشل، وليس بالحقد والكراهية، كما نظن».

ويذكر الكتاب شواهد كثيرة على فظائع القسوة في جرائم الاستعمار، وصراع المستعمر من أجل الموارد، وهو بالفعل ما يتعارض مع ادعاء تقدم الغرب في القرن العشرين.

وترى المؤلفة أن القسوة مثل أي سلوك إنساني يتدخل فيها العقل، وتحدث بواسطته، إلا أن الدراسات والبحوث عن المخ لا تكفي لفهم ذلك فهماً كاملاً، فللقسوة مفهوم أخلاقي أيضاً يعتمد على أفكار وتبريرات وضرورات، وتمثل معاناة غير مستحقة للغير، وهي فعل طوعي مقصود ومتعمد.

كما أن قرار تسمية شخص بأنه قاسٍ، مثل قرارات أخرى، قد يتلون ويتغير بأي محاباة أو انحيازات نفسية أو اجتماعية، ولذلك تختلف الأحكام باختلاف من يصدرها، فيكون هذا النوع من العدالة بعيداً كل البعد عن «العدالة العمياء» التي لا تحابي، ومن ثم فإن القسوة يجب أن توضع في مضمون رمزي، بمساعدة المؤرخين والمتخصصين في علم الإنسان (الأنثروبولوجيا أو أصل الجنس البشري) والفلاسفة، وعلماء الاجتماع، والمنظرين للثقافات.

إن علم دراسة الجهاز العصبي وعلم النفس، على الرغم من أهميتهما، لا يمثلان إلا جزءاً مشاركاً فقط في مشروع أضخم هدفه ليس الشرح أو التفسير البسيط للسلوك القاسي، ولكن المعرفة الكافية لهذا السلوك، حتى نقلل من ضرره وأذاه.

ويمكن اعتبار القسوة ذات أبعاد تراوح بين قساوة القلب والسادية الصرفة، حسب ما تتضمنه من دوافع، فالمجرم قاسي القلب لا يأبه بمعاناة ضحيته؛ لأنه يعتبرها نوعاً من العقاب، أو هي رسالة تفصح عن قوته وقدرته على التصميم والتحكم، وتركيزها فقط على إحداث المعاناة، وهذا مجال القسوة والإرهاب.

سادية

أما البعد الآخر النادر والمتطور، فهو السادية التي يصبح فيها الألم المبرح للضحية، هو سبب ودافع العدوان عليها، وهو المكافأة التي يسعى إليها المجرم، وبذلك يصبح الهدف الأوحد للاعتداء أو الفعل هو المكافأة النفسية للمجرم.

مشكلة القسوة هي أنها قد تصبح تجسيداً عملياً للتطرف والإقصاء، في أي ظرف، وهناك رأي في غاية التطرف يرى أن القسوة لو كانت تشكّل سلوكاً ينشأ عن أحوال وظروف معينة، فإن الصدفة وحدها هي التي تمنعنا من أن نصبح من مرتكبي الجرائم والأعمال الوحشية، فأنت يمكن أن تكون قاتلاً، مثل واحد من الناس العاديين الذين عاشوا في أوروبا النازية، أو في البوسنة أو في رواندا، أو أي مكان من الأماكن التي تقع فيها المذابح الجماعية، فأنت أيضاً يمكن أن تكون قاسياً، وفي بعض الأحوال قد تبلغ قسوتك درجة فائقة.

أعمال وحشية

وتشير المؤلفة إلى أن الحكايات عن الأعمال الوحشية في أثناء الحروب، تشهد على أن مذهب «إقصاء الآخر» شيء سهل ومغرٍ؛ لأن هذه الحكايات تصور قسوة بالغة، ومقززة وعارية من أي مشاعر أو أحاسيس، ولا توجد محاولة شرح أو تفسير: لماذا يلجأ مرتكبو هذه الأفعال لمثل تلك الجرائم وبهذه الكيفية؟

وتوضح المؤلفة أنه إذا فكرنا في القسوة، باعتبارها سلوكاً منطقياً، ينفذه أناس من البشر مثلي ومثلك، فإن ذلك يمكن أن يبعث شعوراً غير مريح بالمرة، غير أن ذلك يجعلنا نسأل ونتقصى عن الأسباب التي تجعل الناس يتصرفون بقسوة.

وعندما نفهم هذه الأسباب، فإن الخطوة الأولى تجاه تغيير السلوك الأصعب، على المدى القصير، أصعب من التسامح مع هؤلاء القساة. ومع ذلك فإن محاولة الفهم، قد تمنحنا حلولاً لها على المدى الطويل، وإذا اعتبرنا القسوة المتناهية مرتبطة وناشئة عن أنواع أقل خطورة من الإيذاء، فإن ذلك يمكننا من فحص العوامل التي تدفعنا إلى مسلسل «الإقصاء» والتحري عنها، وبذلك يمكننا أن نبدأ تحديد أسلوب علمي للتعامل مع القسوة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ydsacrfw

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"