عادي

«الدعوة عامة» هزل باسم الكوميديا

22:25 مساء
قراءة 4 دقائق

مارلين سلوم

كثيرة هي الأفلام التي تشاهدها وفي بالك سؤال واحد طوال الوقت: «لماذا يصنعون مثل هذا الفيلم؟»، وعبثاً تحاول أن تجد تفسيراً مقنعاً؛ لا يمكن أن يكون الهدف تجارياً لأن الفيلم يولد ميتاً، ولا يبشر بإمكانية إقبال الجمهور على شباك التذاكر من أجل عيون أبطاله فيجعله «قنبلة الموسم»، وهو ما يؤكده «الشباك» نفسه حيث يفشل الفيلم في تحقيق إيرادات تعوض ولو جزء من مصاريف الإنتاج؛ ولا يمكن أن يكون عن قناعة بأهمية الفكرة العبقرية والمختلفة والفلسفية العميقة، والتي تستحق أن يغامر صناع الفيلم بعرضها ويتوقعون أن يكون مستوى العمل أعلى من قدرة الجمهور على الاستيعاب، والدليل أن ما تشاهده يأتيك بفكرة بالية ومستهلكة، أو أنه مبني على فكرة ضعيفة إطارها ضيق جداً؛ لذا تعود للسؤال: لماذا يصنعون فيلماً مثل «الدعوة عامة» الذي عجز عن النجاح في الصالات السينمائية؟

1

فرق كبير وشاسع بين الفيلم الكوميدي، والفيلم الهزلي، لكن يبدو أن الخلط بين الاثنين أصبح شائعاً لدرجة أن ما يتم إنتاجه باسم الكوميديا كثير وفائض، بينما ما يستحق هذا التصنيف فعلياً ويحمل في طياته وكل تفاصيله مواصفات الكوميديا الحقيقية والجميلة والممتعة والراقية نادر جداً. هذا العام شاهدنا أفلاماً عربية جيدة، منها ما كان درامياً سياسياً مطعّماً ببعض الكوميديا الاجتماعية الظريفة مثل «كيرة والجن»، ومنها ما كان رومانسياً محبباً لم تفارقنا الابتسامة طوال مدة مشاهدته مثل «بحبك»، ومنها الكوميدي بامتياز مثل «تسليم أهالي».. أفلام نجحت في كسب ود الجمهور وتصفيقه لها ولصنّاعها وأبطالها، في حين جاء فيلم «الدعوة عامة» في ختام رحلة الموسم الصيفي مخيباً للآمال ولعشاق الكوميديا، حيث انتفت عنه صفة الكوميديا بمعانيها الفنية الحقيقية، واكتفى بالمواقف الهزلية التي قد تدفعك للضحك أحياناً، بينما تستفزك كثيراً لأنها تستخف بالعقل، وتعتمد السذاجة نهجاً، في حين أن الكوميديا لا تنجح إلا إذا كانت معتمدة على الذكاء، ومبنية على أسس فنية سليمة.

1

«الدعوة عامة» فشل في المنافسة الصيفية لأسباب منطقية عدة، إنما هذا لا يعني أنه فيلم سيئ لا يمكن مشاهدته، بل فلنقل إنه يملك بعض العناصر الجيدة التي لا تكفي وحدها لصناعة فيلم جيد، آخذين في الاعتبار أنه التجربة الأولى للمخرج وائل فرج (مخرج مسلسل الآنسة فرح)، في الإخراج السينمائي، ولم يعتمد في البطولة على أسماء نجوم بارزين (نجوم صف أول كما يقال)، بل البطولة المطلقة الأولى للفنان الكوميدي محمد عبد الرحمن، ويسانده فيها زملاء لا يعتبرون أيضاً «نجوم شباك» بلغة السينما، مثل أحمد الفيشاوي، وأسماء أبو اليزيد، وحضور مميز للنجمة سوسن بدر، وضيفة الشرف دينا.

1

قالب مختلف

الفكرة العامة للقصة التي كتبها المؤلفان أحمد عبدالوهاب وكريم سامي، جيدة ولافتة تتوقع أن تتسع في تفاصيلها لتتشكل في قالب مختلف عن المألوف سينمائياً، حيث تلعب على التشابه في اللفظ، فتوحي لك عبارة «الدعوة عامة» بأنها تعني دعوة لمناسبة ما تشمل عامة الناس، بينما المقصود بها دعاء أم البطل (سوسن بدر) على ابنها معتز (محمد عبد الرحمن)، لشدة زعلها منه بسبب كسله وطيشه وإهماله لها، وعدم رضاها عن تصرفاته قائلة له «انت لا بتشوفني، ولا بتسمعني، ولا حاسس بيّ»، خصوصاً وهي تستعد للسفر لأداء العمرة، فتدعو عليه بألا يكسب، ولا يقف بجانبه أولاد الحلال، وبالفشل له «وكل من يقف بجانبه ويتعاون معه»، ويصادف أن يقصده النصّابان وليد (أحمد الفيشاوي)، وهنا (أسماء أبو اليزيد)، ليساعدهما في عملية نصب يستغلان من خلالها أحد رجال الأعمال قاما بابتزازه من خلال فيديو إباحي وصور ولقطات سجلاها له عبر التواصل لاجتماعي؛ فتنهال على هذا الثلاثي المصائب من كل صوب، وتصبح «الدعوة عامة»، وتتولد المواقف الكوميدية من الكوارث التي يواجهها معتز ووليد وهنا.

المخرج وائل فرج لم يعتمد على كوميديا «الإفيهات» فقط، إنما استخدم المؤثرات البصرية، فنجح في بعضها وفشل في بعضها الآخر، مثل مشهد البيضة العملاقة، ووحيد القرن الذي هاجمهم، حيث جاء الجرافيك ضعيفاً، بل بدائياً لا يليق بالتقنيات الحديثة وعالية الجودة اليوم، إضافة إلى سذاجة المشهد المقحم في العمل بلا أي مبرر درامي ولا ضرورة تتطلب وجوده، بجانب بعض المواقف غير المنطقية والأحداث «الكارثية» المرصوصة بهدف إضحاك المشاهد، والتي زادت من هبوط العمل ووقوعه في الفراغ، فراغ الفكرة ومحاولة مطّها بحشو لا لزوم له، وعجز المؤلفين عن حبك قصة متماسكة منطقية.

الحبكة الدرامية ضعيفة، وغير مقنعة، لم تسعف المخرج في تقديم فيلم جيد، علماً بأن وائل فرج تمكن من ملء الفراغ الذي تسبب به غياب البطل محمد عبد الرحمن حين تعرض لأزمة صحية أثناء التصوير، وأجريت له عملية جراحية في القلب منعته من استكمال بعض مشاهده، فحال المخرج دون تأجيل العمل أو توقفه.

ليس بالضرورة أن يتصدر أفيش كل فيلم أسماء نجوم كبار ومعروفين كي يلقى الفيلم نصيبه الكبير من الإقبال الجماهيري ومن النجاح، إنما من الضروري أن تتوفر فيه أهم الشروط والركائز التي يبنى عليها العمل، لاسيما الفكرة الجيدة والحبكة والمنطق في تسلسل الأحداث، إضافة طبعاً إلى الإخراج الجيد والتفنن في استخدام التقنيات واحترام عقل المشاهد بتقديم كوميديا ظريفة غير ساذجة، وأداء أبطال يرتقي بالعمل؛ عناصر لم تتوفر مجتمعة في عمل واحد ما أدى إلى أن تصبح «الدعوة عامة» دعوة كوميدية ناقصة.

الإيقاع السريع منع الفشل

يمكن القول إن الإيقاع السريع أنقذ الفيلم من الفشل الذريع، ومن الإحساس بالملل، بجانب الأداء الجيد للممثلين، خصوصاً محمد عبد الرحمن الذي حافظ على أدائه الكوميدي المعتمد على ملامحه ونظرته وتعبيره البدني، متفوقاً على شريكيه في العمل أحمد الفيشاوي وأسماء أبو اليزيد، المتأرجحين بين الحضور المتوسط، وما دونه؛ ربما يكون لأسماء حضورها الأقوى في الدراما والكوميديا التلفزيونية، بينما اعتدنا مشاركة الفيشاوي الابن في أعمال قوية سينمائياً، وأدائه للأدوار الصعبة التي أثبت من خلالها أنه يملك موهبة فنية مميزة، لذا نستغرب موافقته على هذا الدور الباهت، ولعله يدرك جيداً أنه أقل من المأمول منه فلم يبذل مجهوداً لتقديم ما يليق بموهبته وقدراته، وما يترك بصمة على الشاشة؛ بينما تعرف سوسن بدر كيف تعطي لكل دور تؤديه وزنه وترفع من شأنه، حتى ولو كان صغيراً ومحدوداً، بأدائها المختلف لتكون محور الأحداث ودائمة الحضور في ذهن الجمهور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ysytwecy

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"