عادي

مريم الزرعوني.. الشعر توأم التشكيل

00:26 صباحا
قراءة 4 دقائق

علاء الدين محمود

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«لا أستطيع أن أوجز ما أريد قوله في لون واحد، فهناك ما يتفاعل معه قلمي، وهناك ما يتجلى في لوحة أو عمل نحتي، حجم الفكرة وما أريد طرحه حولها هو الذي يحدد الفن الأدبي، فقد تقول الرواية ما لا يمكن أن يوجز في ومضة شعرية»، تلك الكلمات للمبدعة الإماراتية مريم الزرعوني تحمل عدة دلالات أهمها انتمائها إلى أكثر من نمط إبداعي واحد، فهي تحلق في عوالم الشعر وسماوات اللوحة والنحت ودنيا الرواية، وتعبر الزرعوني عن رؤيتها للحياة والوجود عبر القلم والريشة لتقدم أدباً وفناً بمواضيع مختلفة تحتشد بها نصوصها ولوحاتها وأعمالها النحتية.

مواهب

وكل واحدة من تلك المواهب لها قيمتها التي تدافع عنها الزرعوني، فهي ترى في النحت عملاً هادئاً، لكنه يحتوي على مجهود إبداعي كبير، لكونها تستعمل مادة الطين، وتحولها إلى أشكال تكاد تكون ناطقة، هي أشكال الحياة والإنسان، أما الرسم فيمثل بالنسبة لها لترجمة الصورية الفاعلة التي تنتجها العين بعد أن تمر بقنوات الروح والعقل، فاللوحة وألوانها وخطوطها وأشكالها، هي جزء من واقع سري دفين في الروح، صور تتزاحم في الخيال، ولا يمكن أحداً ترجمتها، إلا ذاك العقل المفتون بوعي الحياة وجمالها، أما الكتابة عندها فهي الأساس وهي الفعل وهي العمل، حيث تتفاعل كل الفنون من خلال الريشة والقلم، والحروف والكلمات هي الحقل الذي يستوي في كل مناخ فكري.

بدايات

ظهرت موهبة الزرعوني الإبداعية في سن باكرة منذ الدراسة الابتدائية في الصف الأول، وكانت في ذلك الوقت تجد اهتماماً من أفراد أسرتها فجدها كان يستمع إليها وهي تمارس فعل قراءة الصحف، وعملت والدتها على دعمها ومساعدتها في موضوعات التعبير الإنشائي، وكانت تهتم بالمفردات وبناء الجمل وتحرص على ذلك، وفي فترة باكرة من عمرها وقعت في يد الزرعوني مسرحية «نهر الجنون» لتوفيق الحكيم فكانت هي أول ما اطلعت عليه في الأدب العربي وكانت تلك اللحظة بمثابة اكتشاف الطريق نحو عالم الإبداع الأدبي والذي توجته بالعديد من الأعمال في مجالات الأدب والفنون وهي التي لقيت قبولاً وصدى جيداً بحيث أصبحت الزرعوني من الإماراتيات المؤثرات في الفعل الثقافي والإبداعي في الدولة.

يحتل الشعر المكانة الخاصة والأثيرة لدى الزرعوني، وقد بدأت موهبتها في القصيد منذ وقت باكر، منذ المراحل التعليمية الأولي، وهي تقول عن ذلك الأمر وعن علاقتها: «حبي للشعر والأدب عموماً نابعٌ من حبي للغة العربية، والذي بدأ من الطفولة بفضل والدتي التي لقنتني أول درس في تذوق الكلمات والمفاضلة بين المرادفات وهي تحكي لي القصص، كما أن لمعلمات اللغة العربية في سنيّ الدراسة الأولى الدور العظيم في تغذية هذا الحب»، ومؤخراً، في عام 2018، قامت بنشر ديوانها الأول «تمتمات»، الذي اشتمل على قصائد من الشعر الحر، وهي نصوص متعددة في مواضيعها، لكنها تعبر عن مشاعر وأحاسيس الزرعوني ورؤيتها ومشاهداتها لجوانب الحياة والوجود والمواقف الإنسانية المختلفة.

فلسفة

وكغيره من الأنماط الإبداعية الأخرى، فإن الشعر عند الزرعوني ينهض برافعة الفلسفة والأسئلة، فهي دائماً ما تشير إلى أنها قد صاغت عبر نصوصها أسئلة وجودية فكرية، حاولت من خلالها قراءة التفاصيل الأدق في الحياة، حيث أن القصيدة بالنسبة لها هي جزء أساسي من مفهوم الحياة أو كيفية فهم الحياة، وتالياً كيفية ممارسة نشاط الحياة، وكثيراً ما تتوقف الزرعوني عند مفهوم فلسفي يتسرب إلى داخل نصوصها وهو «العبث»، وتقول حول ذلك: «ربما يستوقفنا في الحياة شيء من العبث، ولا بد لهذا العبث أن يحمل معه أسئلة وجودية تشغل الكثيرين. فهل يمتد العبث اليوم في عالمنا، حتى يصل بيت الشعر وجسد القصيدة؟»، والزرعوني لا تترك السؤال الذي طرحته في حديثها دون إجابة، فهي توضح قائلة: «نعم هذا العبث الذي ينتاب العالم ويتناوب على مشاعرنا، يعيد الشعر تشكيله في هيئة عشوائية أخرى تنم عن تماهٍ تام في لحظة النص، الذي يروق لي أن أسميه (الحالة)».
تأخر

وعلى الرغم من أن لها العديد من القصائد والنصوص الشعرية، فإنها تأخرت بعض الشيء في طباعة تلك الأعمال، وتشير إلى أنها لم تكن تفكر في مسألة النشر وطباعة ديوانها، غير أن تشجيع الأصدقاء دفعها في النهاية إلى هذه الخطوة التي وصفتها بالجريئة، وعندما صدرت مجموعتها الشعرية وجدت صدى طيباً وسط النقاد ومجموعة أصدقاء الكاتبة وهي تقول واصفة استقبال الديوان: «شعرت بفرحة الأصدقاء الحقيقيين عند الإعلان عن صدور الديوان وحرصهم على الحصول على نسخة منه، وبعضهم تكبّد عناء المسافة لحضور التوقيع، بينما البعض ممن كان يبدي استحساناً لما أكتبه، قد صمت صمتاً تاماً عند صدوره. ومنهم بعض الأصدقاء المتعصبين للشعر العمودي ويكتبونه».

وتدافع الزرعوني عن الشعر بوصفه «ديوان العرب» حيث مكانته الخاصة في القلوب والعقول والذاكرة الجمعية، وما زال للشعر بريقه ومحبوه وتستدل بوجود البرامج الجماهيرية التي تدعمها مؤسساتنا الثقافية والإعلامية، مثل: شاعر المليون، وأمير الشعراء، والجوائز الشعرية كالبردة وغيرها وذلك شاهد على بقاء ألق الشعر.

وعلى الرغم من انحياز الزرعوني للشعر الذي بدأت علاقتها به منذ وقت باكر، فإنها اتجهت مؤخراً نحو الرواية التي تعتبرها شاغلها الأحدث، وصدر لها عمل روائي لليافعين بعنوان «رسالة من هارفرد» التي فازت بجائزة العويس للإبداع عام 2018. ودائماً ما تشير الزرعوني إلى صعوبة أدب الطفل فهو الأكثر حساسية، والكتابة للطفل هي الأوجب في الاعتناء بها وتجويدها، لأنها إن وظّفت في مكانها فسيكون لها أثر لا يمكن إغفاله في تكوين شخصية الطفل.

إضاءة

مريم الزرعوني كاتبة وفنانة تشكيلية ونحاتة إماراتية، وهي حاصلة على البكالوريوس من كلية العلوم في تخصّص الأحياء، وعلى شهادة دبلوم متقدم في تصميم وإدارة المجوهرات، كما تعلمت الفن ذاتياً، ثم طورت ذلك من خلال الالتحاق بدورات معهد الشارقة للفنون، وقد عملت الزرعوني في مختبرات وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم الإمارات.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2kk5hxsv

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"