ما قبل استهداف جسر القرم بالتفجير، أمس الأول، لن يكون كما بعده، فعملية التفجير التي راح ضحيتها ثلاثة أشخاص، وتدمير جزء من الجسر، واشتعال سبعة صهاريج وقود، هي بالنسبة لروسيا استهداف لهيبتها وأمنها الوطني، ولذلك كان رد فعل القيادة الروسية بحجم هذا الفعل من حيث الرد بقوة واستهداف العاصمة الأوكرانية كييف وبعض المدن الأخرى مثل دنيبروبيتروفسك وجيتومير وتيرنوبل ولفيف ورزيتومير، وهي مدن ظلت إلى حد ما، بعيدة عن تداعيات الحرب، ولم يطلها التدمير كما بعض المدن الأخرى. ونظراً لخطورة التفجير ترأس الرئيس الروسي اجتماعاً لمجلس الأمن القومي، كما أوعز للقيادات المعنية بمباشرة التحقيق الفوري لتقدير حجم الأضرار، وتحديد كيفية وقوع عملية التفجير والجهة التي قامت به. لكنه أكد بأن المخابرات الأوكرانية تقف وراء الحادث.
لم تتبرأ كييف من العملية، بل إن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي تناولها بالسخرية قائلاً: «اليوم كان جيداً ومشمساً في الغالب على أراضي دولتنا.. كانت درجة الحرارة حوالي 20 درجة مئوية ومشمسة، لكن لسوء الحظ، كان الجو غائماً في شبه جزيرة القرم رغم أنه كان لا يزال دافئاً». إلا أن مستشاره ميخايلو بودولياك كان أكثر وضوحاً، وأقرب إلى الاعتراف بالمسؤولية بقوله: «إنها البداية.. ويجب تدمير كل شيء غير شرعي».
للجسر أهمية استراتيجية بالنسبة لروسيا، فهو من أطول جسور روسيا، ويبلغ طوله 19 كيلومتراً، وتكلف بناؤه مليارات الدولارات، ويربط بين شبه جزيرة القرم وروسيا، وافتتحه الرئيس بوتين في 15 مايو/أيار 2015، وهو عبارة عن زوج من الجسور متوازية (واحد لمرور المركبات وآخر للسكك الحديدية)، وتكمن أهميته العسكرية بأنه صلة الوصل بين روسيا والقوات التي تقاتل في أوكرانيا؛ إذ يتم عبره نفل القوات والتجهيزات العسكرية لهذه القوات.
من الصعب على روسيا ابتلاع الإهانة أو السكوت عليها، في ذروة الحرب المعلنة والخفية التي تستهدفها من مختلف القوى الغربية؛ لأن السكوت عليها يعني أنها عاجزة عن الرد، لأن ذلك يهز سمعتها العسكرية، ويؤدي بالتالي إلى مزيد من التطاول عليها.
لذلك قد يكون استهداف العديد من المدن الأوكرانية أمس بأكثر من 75 صاروخاً، حسب تقديرات كييف، ووقوع قتلى وخسائر بشرية بداية لحرب المدن، واستهداف منشآت عسكرية ومدنية وبنى تحتية لم يطلها القصف سابقاً، وربما يكون مقر القيادة الأوكرانية متوقعاً.. وذلك كله يعني توسيع رقعة الحرب وتصعيدها.
نائب رئيس مجلس الدوما الروسي (البرلمان) تحدث عن «حرب خفية تشن على روسيا، والهجوم الإرهابي المعلن على جسر القرم لم يعد مجرد تحدٍّ، بل إعلان حرب بلا قواعد».
التفجير سوف يغير قواعد الاشتباك القائمة منذ بداية العملية الروسية في فبراير/ شباط الماضي، وسوف يرسم قواعد جديدة، وقصف المدن مجرد بداية في «حرب بلا قواعد»، لا أحد يعرف مداها وكيف تنتهي.