تداعيات تخريب نورد ستريم

21:58 مساء
قراءة 3 دقائق

د. محمد الصياد*

يوم الجمعة 30 سبتمبر/ أيلول 2022، اتهم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الأنغلوسكسون (أمريكا وبريطانيا) بتفجير 4 خطوط أنابيب غاز طبيعي منفصلة هي: خطوط «نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2» التي بنتها روسيا على عمق 60 متراً تحت بحر البلطيق لتوصيل الغاز إلى ألمانيا، ومنها إلى عدد من بلدان أوروبا، باستخدام نحو 700 كيلوغرام من مادة «تي إن تي» شديدة الانفجار في الجزء الواقع في المياه الضحلة للمضائق الدنماركية في بحر البلطيق، بالقرب من جزيرة بورنهولم. وهي تهمة نفتها أمريكا والأوروبيون، وردوها إلى روسيا.

ما هو ملاحَظ أن لوبيات المناخ الموالية للغرب الأوروبي، لم تهتم بالنتائج الاقتصادية الوخيمة التي ستقع على الألمان والأوروبيين عموماً، جراء هذا الحادث، بقدر ما اهتمت بآثاره البيئية والمناخية. حيث سلطت الضوء على ما أسمته (للتهويل) نوافير الميثان المنبعثة من الأنابيب القابعة في قاع بحر الشمال بارتفاع كيلومتر واحد في الهواء، ما سيضاعف مشكلة الاحترار العالمي. وكالة البيئة الألمانية ذكرت أن التسرب أدى إلى إطلاق 7.5 مليون طن من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، أو 1% من إجمالي الانبعاثات السنوية الألمانية. وزايدت عليها وكالة الطاقة الدانماركية التي ضاعفت هذا الرقم. وهو في الواقع ليس سوى جزء بسيط من انبعاثات غاز الميثان الذي تطلقه يومياً مناجم الفحم ومنشآت النفط والغاز في العالم.

جانب واحد من هذا التطور الخطير في الصراع الغربي الروسي، وهو تنفيذ عمليات تخريبية في مرافق الطاقة ولوجستياتها، طرقته - عن حق هذه المرة - لوبيات المناخ، إنما لخدمة أغراضها. إذ حذرت من أن مصير منشآت النفط والغاز (تقصد الوقود الأحفوري الذي تناصبه العداء المفتوح)، بما فيها السفن والحفارات ومحطات تصدير واستقبال الغاز الطبيعي المسال (LNG)، ربما يكون غير بعيد عما أصاب خطوط أنابيب نورد ستريم.

وفي اجتماع مجلس الأمن الدولي الذي عُقد، يوم الجمعة 30 سبتمبر/ أيلول 2022، بطلب من روسيا، أشار سيرغي كوبريانوف، المتحدث باسم شركة غازبروم، إلى حادثة تفجير الأنابيب التي وقعت في 26 سبتمبر 2022، عندما انفجرت في يوم واحد أربعة خطوط من نظام خط أنابيب الغاز نورد ستريم في بحر البلطيق التي يبلغ طول كل منها حو 1200 كيلومتر، وتبلغ قدرتها التصميمية 110 مليارات متر مكعب من الغاز سنوياً، تمثل ربع استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي، حيث توفر هذه الشبكة من أنابيب الغاز طاقة ل 52 مليون أسرة أوروبية.

في البيئة السياسية والتجارية العادية، يمكن إصلاح الخطوط المتضررة في غضون عام بواسطة أسطول من سفن إصلاح المنشآت البحرية، بالنظر لصعوبة العمل تحت سطح البحر، وتفريغ المياه من خطوط الأنابيب، وإزالة حطام الصخور خشية إتلاف الجزء الداخلي من خطوط الأنابيب بمجرد استعادة التدفق، ومعالجة الأضرار التي قد تكون لحقت بطلاء البوليمر الداخلي للأنابيب الذي لم يتم تصميمه لتحمل ملامسة مياه البحر لفترات طويلة. لذا فقد يصل إجمالي فاتورة إصلاح الخطوط إلى مئات الملايين من الدولارات، وربما أكثر من ذلك. ويفترض الغربيون مقدماً، أن شركة غاز بروم الروسية مالكة الخطوط، ستتحمل مسؤولية دفعها.

علماً بأن الشركة المشغلة لخطوط أنابيب نورد ستريم هي الشركة المسجلة في سويسرا «Nord Stream AG» التي لا تخضع لأية عقوبات غربية. وتتقاسم ملكيتها كل من شركة غاز بروم الروسية بنسبة 51%، وشركة إنتاج الغاز والنفط الألمانية «Wintershall Dea AG» بنسبة 15.5%، وشركة الطاقة الألمانية «PEG Infrastruktur AG»، بنسبة 15.5%، والشركة الهولندية «N.V. Nederlandse Gasunie» العاملة في مجالات البنية التحتية والنقل للغاز بنسبة 9%، وشركة «Engie» الفرنسية للطاقة بنسبة 9%. كما أن شركة «Nord Stream AG» المشغلة لخطوط أنابيب نورد ستريم، عضو في هيئة «حوض إصلاح خطوط الأنابيب والعمل تحت مياه البحر» النرويجية «Pipeline Subsea and Repair Intervention Pool» التي تشرف عليها شركة «Equinor» النرويجية، والتي توفر لأعضائها العشرين إمكانية الوصول إلى المعدات والأطقم المتخصصة لعمليات إصلاح الأعطال تحت مياه البحر.

من الصعب إدراك خلفيات هذا الحادث بالغ الخطورة، خصوصاً على اقتصادات الطاقة في ألمانيا التي تتجه كل الأنظار إليها باعتبارها المتضرر الأكبر من هذا التفجير. وقد لا يتم الكشف عن الجاني أبداً. لكن ما أبدته موسكو وبرلين خلف الكواليس من رغبة في سرعة إصلاح الأعطال، قد يزيل بعض الغموض الذي يلف هذا الحادث.

*كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdzf5sy6

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"