تعريب العلوم ضرورة حضاريّة

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ثمة توعية كافية في شأن تعريب العلوم؟ هل البلدان العربية على إلمام بأبعاده في شتى المجالات، وبعواقب غيابه وانعدامه؟ موضوع مزعج حقاً، لأنه في الحقيقة يتناول وضع اللغة العربية في الظل، وعدم قدرتها على الحضور الحضاري، إذا غاب التعريب.
المسألة ليست: هل نحن نحب العربية؟ القضية: هل نحن ندرك تماماً ما هي السبل العملية التي نترجم بها حبنا إلى ما ينعكس عليها حيوية وفاعلية ومكانة عالمية واقتداراً وانتشاراً؟ لعل أكبر وهم هو ادعاء أن الحالة العولمية للعلوم والتقانة لم تعد تدعو إلى التعريب. حاول أن تحدث الصيني بمثل هذا الخيال العالمي، أو قله للياباني والكوري، بل اسع إلى إقناع الألماني بأن مصلحته تقتضي كدولة أوروبية غربية، التخلي عن الشخصية اللغوية في العلوم والتقانة. الروس أقرب إلى الغرب من العرب، ولكن ها أنت ترى كيف تجري الرياح الروسية بما لا تشتهي السفن الغربية.
 الصينيون يوفدون أنبغ طالباتهم وطلابهم إلى أرقى الجامعات الغربية، من هارفارد في الولايات المتحدة، إلى الجامعة الفرنسية المتألقة «بوليتكنيك»، وعشرات الجامعات المرموقة عالمياً في مناهجها، ليعودوا إلى حضن التنين بعقيدة وطنية لا تتزعزع. عندهم أن الانفتاح على العالم شيء، والانسلاخ عن الشخصية والهوية والقيم الوطنية، شيء مختلف تماماً. لقد ظلوا على هذا التفسير للتلاقح الحضاري منذ القديم، فحين انتشرت البوذية بينهم، ذابت في التاوية. شعوب الشرق الأقصى شخصيتهم من معدن خاص، فحين انتشرت البوذية في اليابان، صهروها في الشنتوية.
تعريب العلوم ليس مضيعة للوقت، ولا اختصاراً للزمن، فهو إرادة أن تظل أنت أنت، ولكن مع استيعاب كل القوى الحية التحديثية التجديدية في العصر. أنت لست إنسان ما قبل ألف سنة، بكل تأكيد، ولكنك امتداد لجذورك القرونية. أنت حين تنقاد وتذوب في الآخر، لا تعود تعرف حتى نفسك، والذي تذوب فيه، هو لا يذوب فيك. تعريب العلوم ليس تقوقعاً وانعزالية، بل احترام لقواعد لعبة بقاء الهوية. من أدراك بأن منظومة تكوينك الثقافي، غير قادرة على إبداع آفاق علمية وتقانية من صميم مرجعياتك الفكرية والمعرفية والثقافية، التي هي بطبيعتها متباينة عن الأداء الدماغي لدى الآخرين؟
 لزوم ما يلزم: النتيجة العرفانية: من أدراك بأن شجرتك ليست قادرة على عطاء ثمار أفضل وأجمل وأكمل فوائد لك وللإنسانية؟
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/46fny63y

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"