عادي

الحوثي يعرقل الهدنة

23:11 مساء
قراءة 4 دقائق

د. أحمد سيد أحمد *

بعد هدنة استمرت ستة أشهر، وحملت معها أملاً كبيراً لإمكانية تحقيق السلام وتخفيف معاناة الشعب اليمني، تعرضت الأزمة اليمنية لانتكاسة جديدة مع فشل تمديد الهدنة، ما يؤدي إلى تداعيات سلبية، سواء على مسار الوضع الإنساني، أو على مسار استئناف المعارك.

يعود الفشل في تمديد الهدنة بشكل أساسي إلى تعنت ميليشيات الحوثي ورفضها مقترح مبعوث الأمم المتحدة لدى اليمن، هانس غروندبرغ، بتمديد الهدنة السابقة على أساس أن تستمر شهرين، ثم يتم تجديدها على مرحلتين، إلى فترة ستة أشهر، وتوسيعها لتشمل نقاط اتفاق جديدة. حيث طرح الحوثيون مطالب تعجيزية يصعب تحقيقها على أرض الواقع.

شروط تعجيزية

في مقدمة هذه المطالب، دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين المتقاعدين في المناطق الخاضعة لسيطرتهم من دون تمييز، ما يعنى أن تقوم الحكومة اليمنية بدفع رواتب موظفي حكومة الحوثيين غير المعترف بها دولياً، وعسكرييها. كما جددوا المطالبة بالسيطرة على عوائد النفط التي تدخل إلى صنعاء وميناء الحديدة، والسماح بدخول المشتقات النفطية والسفن التجارية للسلع والبضائع والمستلزمات الطبية والدوائية، إلى ميناء الحديدة من دون عوائق، ما يعنى عملياً حصول الحوثيين على مكاسب ضخمة قبل التوصل إلى اتفاق سلام نهائي.

وقد كشفت هذه المطالب التعجيزية عدم رغبة الحوثيين في تمديد الهدنة، أو إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام دائم لإنهاء الأزمة. كما تعكس منهجهم في الابتزاز واستخدام الهدنة والجانب الإنساني للضغط على الشعب اليمني والحكومة الشرعية، وعلى المجتمع الدولي، لتحقيق أهداف وأجندات سياسية خاصة بهم، من دون الاكتراث بمصلحة الشعب اليمني، وتخفيف المعاناة الإنسانية عنه في ظل الصعوبات الكبيرة التي يواجهها اليمنيون مع تدهور الأوضاع الاقتصادية وتصاعد أزمة الغذاء.

هذا الموقف المتعنت للحوثي كشفهم أمام الشعب اليمنى، وأنهم المسؤول الأول عن استمرار الحرب، وتفاقم معاناتهم الإنسانية، وأنهم استخدموا الهدنة السابقة فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراقهم بعد الهزائم الكبيرة التي تعرضوا لها أمام قوات المقاومة الشرعية والتحالف العربي الداعم للشرعية، والعمل على إعادة تسليح أفرادهم تمهيداً لاستئناف القتال. وقد برز منهج الحوثي في المراوغة والتعنت في عدم تنفيذهه شروط الهدنة السابقة، ففي الوقت الذي التزمت فيه الحكومة الشرعية ببنود الهدنة في ما يتعلق بفتح مطار صنعاء للرحلات إلى القاهرة وعمان، والسماح بدخول السفن التجارية إلى ميناء الحديدة، لم ينفذ الحوثي التزاماته وأبرزها رفع الحصار المستمر منذ سنوات على مدينة تعز، وفتح المعابر بين المدن لتخفيف معاناة الشعب اليمني.

الحوثي مسؤول

كما أن موقف الحوثيين من تمديد الهدنة كشفهم أمام المجتمع الدولي، فقد حمّلهم المبعوث الأممي المسؤولية عن فشل تمديد الهدنة بشروطهم التعجيزية، في الوقت الذي أشاد فيه بالموقف الإيجابي للحكومة الشرعية من تمديد الهدنة، ما يعكس حرصها على تحقيق السلام، ووقف الحرب، وتخفيف المعاناة عن الشعب اليمني. وهذا الانكشاف الحوثي أمام المجتمع الدولي يتطلب مواقف حازمة من الأمم المتحدة والدول الكبرى، وإعادة مراجعة سياساتهم في المراهنة على إمكانية تحقيق السلام في ظل وجود هذه الميليشيات،. كما يتطلب أيضاً من الولايات المتحدة إعادة مراجعة موقفها من تلك الجماعة وإعادة تصنيفها كمنظمة إرهابية.

تداعيات سلبية

التعثر في تمديد الهدنة نتيجة للتعنت الحوثي له تداعيات سلبية خطيرة، سواء على المستوى العسكري، أو الإنساني، أو السياسي، فعدم التمديد يعني استئناف العمليات القتالية المسلحة التي انطلقت بالفعل، على أرض الواقع، مع اندلاع المواجهات المسلحة مع الحكومة الشرعية، بعد أن هدأت ستة أشهر، تم خلالها تحقيق العديد من الفوائد للشعب اليمني، أبرزها وقف حركة النزوح للسكان اليمنيين من مناطق القتال، كذلك تراجع المعاناة الإنسانية مع تدفق المساعدات الإنسانية والغذائية والأدوية عبر المطارات والموانئ اليمنية، وبالتالي فإن استئناف القتال، خاصة في المدن اليمنية ووسط المدنيين يفاقم من المعاناة الإنسانية، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وتعرض أكثر من 13 مليون يمني لخطر المجاعة، إضافة إلى انتشار الأمراض.

كما أن تعثر تمديد الهدنة واستئناف المعارك، يقضي على أي فرص، أو آمال لتحقيق السلام الشامل والدائم في اليمن، وطيّ صفحة الأزمة المستمرة منذ سنوات، مع استمرار مراهنة الحوثي على الحلول العسكرية للحصول على أكبر قدر من المكاسب.

سيناريوهات مستقبلية

في ظل أزمة تمديد الهدنة هناك سيناريوهان: الأول هو استمرار الاتصالات الدولية والإقليمية، واستمرار جهود مبعوث الأمم المتحدة في التواصل مع الأطراف المختلفة، والاتفاق على تمديد الهدنة ستة أشهر، أو على الأقل لمدة شهرين إضافيين، وتزايد الضغوط الدولية، خاصة الأمريكية والأوروبية، على الحوثي للقبول بتمديد الهدنة والتخلي عن مطالبه التعجيزية.

والثاني أن تصل تلك الجهود إلى طريق مسدود مع استمرار تعنت الحوثي، وارتباط تعثر الهدنة بتعثر مفاوضات البرنامج النووي الإيراني، وبالتالي العودة للأعمال القتالية، ما يعني تفاقم المعاناة الإنسانية وتدهور الأوضاع الاقتصادية، خاصة أن 80% من الشعب اليمني البالغ تعداده 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات الإنسانية الخارجية.

الحل الشامل

درس أزمة تمديد الهدنة يؤكد أن الحلول الجزئية التي يدعمها المجتمع الدولي غير مجدية لإنهاء الأزمة اليمنية، وأن تمديد الهدنة ليس غاية في ذاته، وإنما يجب أن يكون مرحلة لتهيئة المناخ أمام الحل السياسي الذي يفضي إلى تسوية دائمة، وهذا يتطلب مقاربة مختلفة، خاصة من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، وتطبيق قرار مجلس الأمن 2216، والمبادرة الخليجية، ومخرجات الحوار الوطني اليمني، واستخدام كل الأدوات للضغط على ميليشيات الحوثي لدفعها إلى المفاوضات وتحقيق التسوية، أما الاستمرار في المنهج السابق والمعالجة الجزئية للأزمة والتركيز فقط على تمديد الهدنة كغاية، يعني استمرار الأزمة، خاصة في ظل هشاشة الهدنة السابقة وعدم التزام الحوثي بتنفيذ بنودها، كما حدث في الأشهر الستة الماضية.

* خبير العلاقات الدولية في «الأهرام»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8cvhux

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"