عادي

تونس.. الأزمة الاقتصادية تتفاقم

23:15 مساء
قراءة 4 دقائق
الحشود العمالية بساحة باردو أمام مقر البرلمان (رويترز)

د. محمد عز العرب *

ما زالت تونس تواجه أزمة مركبة، أحد أبعادها يتمثل في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتزايد أزمة نقص السلع والمواد الغذائية الأساسية (السكر، الحليب، زيت الطهي، القهوة، الزبدة، المشروبات الغازية..)، وضعف المقدرة الشرائية للمواطنين، على نحو يفسر اندلاع حركة الاحتجاجات الشعبية في عدد من المدن، وهو ما انعكس في الشعارات المرفوعة مثل «شغل حرية وكرامة وطنية»، و«عار الأسعار شعلت نار».

البعد الآخر يرتبط بتسييس الأزمة وهو ما يتمثل في محاولة جبهة الخلاص الوطني وفي القلب منها حركة النهضة، استغلال نافذة الفرصة القائمة على السخط المجتمعي في مواجهة حكومة بودن، على نحو يقود إلى إرباك مؤسسة الرئاسة وعرقلة بقية خارطة الطريق وفي مقدمتها إجراء الانتخابات النيابية المقرر انعقادها في 17 ديسمبر المقبل حيث بدأت «جبهة الخلاص الوطني»، في تعبئة الجماهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي وحشد الشارع للخروج في مظاهرات يوم 15 أكتوبر(تشرين الجاري، مناهضة لإجراء الانتخابات، من أجل دفعهم إلى مقاطعة التصويت وعدم المشاركة، وبالتالي إسقاط المشروع السياسي للرئيس قيس سعيّد.

قانون الانتخاب

ويأتي ذلك رداً على إصدار الرئيس قيس سعيد في 15 سبتمبر 2022 المرسوم الرئاسي المتعلّق بالانتخابات والاستفتاء، ودعوة الناخبين لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب، وفي اليوم التالي لإصدار هذا المرسوم أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات البرلمانية أنها بصدد دراسة مشروع القانون الانتخابي الجديد. وقد أثار ذلك القانون جدلاً في الأوساط السياسية التونسية، ومن أهمها ما يلي:

1- تطبيق الانتخاب الفردي، ينص القانون الانتخابي الجديد على الانتخاب بصفة فردية وليس وفقاً لنظام القوائم الحزبية الذي كان معمولاً به في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لعام 2019، وهو ما يعني أهمية حصول المرشح على 50%+1 ليتمكن من الفوز بمقعد في البرلمان الجديد، وإذا لم يحصل على هذه النسبة يدخل في مرحلة «إعادة» للانتخاب في دورة ثانية، وذلك لاختيار أعضاء البرلمان الجديد البالغ عددهم 161 عضواً، حيث تم تخفيض عدد أعضاء البرلمان بعدما كان 217 عضواً وفقاً للقانون الانتخابي السابق، كما ينص القانون الجديد أيضاً على تقسيم الدوائر الانتخابية إلى 151 دائرة في الداخل باعتماد عدد المعتمديات مع دمج بعضها بحسب عدد السكان، و10 دوائر في الخارج، بعدما كان العدد سابقاً في حدود 33 دائرة انتخابية من بينها ست دوائر انتخابية في الخارج.

2- اشتراط نزاهة المرشحين، حيث ينص القانون الانتخابي الجديد على حصول المرشح على تزكية «توقيع» 400 فرد (200 من الرجال و200 من النساء) على ألا يقل عدد المزكين من الشباب دون سن ال35 عن 25%، كما لا يجوز للناخب أن يزكي أكثر من مرشح واحد، وذلك كشرط رئيسي للترشح لعضوية مجلس النواب، وتقديم الإقرار الضريبي - إبراء الذمة البلدي منع الترشح على مزدوجي الجنسية) للترشح لعضوية مجلس النواب، ويحمل ذلك استجابة لمطالب المواطنين ومنظمات المجتمع المدني بشأن أهمية وصول شخصيات تتسم بالنزاهة عبر تقديم سجل قضائي خال من شبهات الفساد.

3- إجراء الانتخابات في مواعيد مختلفة، إذ يُلاحظ عدم وجود تزامن بين الانتخابات التشريعية وانتخابات المجالس الجهوية التي ستكون فيما بعد مجلس الأقاليم والجهات، نظراً لوجود صعوبات لوجستية وقانونية عدة، كما لا يجوز - وفق المرسوم- الترشح في نفس الوقت للانتخابات التشريعية والرئاسية والمحلية والبلدية في صورة تزامنها.

تأزم اقتصادي

كما أن هناك عدداً من المؤشرات التي تعبر عن عمق الأزمة الاقتصادية التي تشهدها تونس، على النحو التالي:

1- ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم، حيث قفز معدل التضخم السنوي في تونس ليصل إلى 8.6% في شهر سبتمبر/أيلول الماضي بعد أن كان 8.1% في شهر يونيو الماضي، وسط زيادات حادة ومتسارعة في أسعار السلع داخل الأسواق التونسية، كأحد التداعيات المباشرة للحرب الروسية الأوكرانية، وفي شهر سبتمبر/أيلول الماضي رفعت الحكومة سعر أسطوانات غاز الطهي بنسبة قدرها 14%، وذلك لأول مرة منذ 12 عاماً، كما رفعت أسعار الوقود للمرة الرابعة هذا العام كجزء من خطة لخفض دعم الطاقة وهو إصلاح رئيسي يطالب به صندوق النقد الدولي كشرط رئيسي للموافقة على منح الحكومة قرضاً بقيمة 4 مليارات دولار لسد عجز الموازنة.

2- تزايد حجم الديون الخارجية، حيث بلغت الديون الخارجية على تونس في الوقت الحالي 120 مليار دينار تونسي تقريباً، وذلك نتيجة فشل الحكومات المتعاقبة منذ عام 2011 وحتى الآن في إيجاد حلول فاعلة لتنشيط الاقتصاد التونسي وإخراجه من عثراته المتكررة والتي ازدادت سوءاً بسبب سوء الممارسات التي اتبعتها الحكومات التونسية.

3- تعاظم نسبة البطالة، التي وصلت إلى 15,3%، في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 12 مليون نسمة، وينعكس ارتفاع نسبة البطالة في المسيرات الليلية التي ينظمها الشباب العاطل عن العمل.

4- تعثر المفاوضات بين الحكومة واتحاد الشغل: حيث فشلا في التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن زيادة الأجور، بما يعزز القدرة الشرائية للمواطن لاسيما في ظل ارتفاع الأسعار وعدم القدرة على مجابهتها.

سياسات الحكومة

وقد تبنت الحكومة التونسية مجموعة من السياسات التي لم تؤد إلى احتواء الاحتجاجات بل اتسعت رقعتها، كالتالي:

1- شن حملات للقضاء على الاحتكار، إذ يمثل الأخير سبباً رئيسياً وراء أزمة نقص المواد والسلع الغذائية في المتاجر، وفقاً لرؤية الحكومة. وفي هذا الإطار أطلق الرئيس سعيّد حملة كبرى لمحاربة كل مظاهر الاحتكار والمضاربة داخل الأسواق التونسية.

2- تدشين حملات إعلامية مؤيدة، إذ انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بعض الحملات المؤيدة للرئيس وحكومته، من قبل أنصاره الذين وصفوا الحديث عن أزمة نقص السلع والمواد الغذائية بأنها «مؤامرة».

* رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3swuhvyu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"