رحلة من أجل السلام

00:33 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

قليلة هي الزيارات التي يؤديها قادة العالم إلى موسكو في هذه الفترة، فهناك من يحسب الحرب بخواتيمها، وهناك من يعاني من ضغوطات أمريكية وغربية لمنع أي تواصل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وبالنتيجة هناك محاولات لفرض حصار دبلوماسي على روسيا بعد فرض العقوبات الاقتصادية عليها من طرف الغرب.

غير أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، اختار أن تقف الإمارات ضمن أفق سيادة قرارها واستقلاله، في مستوى الدول التي لا تخشى لومة لائم، والتي تتخذ من الأزمات فرصة للتواصل لا إلى القطيعة. وفي خضم هذه الأزمة التي تهدد الأمن العالمي ومستقبل الشعوب، وقفت الإمارات العربية المتحدة في صفّ السلام الذي يتطلب وجود أطراف دولية تسعى إلى وقف الحرب والعودة إلى طاولة الحوار. والحقيقة أنه مهما طالت الحرب وامتد لهيبها فإنه لا يمكن أن تستمرّ إلى ما لا نهاية، والجميع سيجد بعد فترة من الزمن، أنّ الجلوس إلى طاولة الحوار هو الخيار الأمثل.

لقد آمنت دولة الإمارات بأنّ السلام هو الطريق الوحيد الذي يحمي العالم من براثن الحروب وشرورها، كما آمنت بأنّ من واجبها عند اندلاع الأزمات ألاّ تقف في صفّ الصامتين المشاهدين لجولات الكرّ والفرّ، إنّ ذلك دور الذين يجلسون على الربوة ينتظرون الفائز حتى يقفزوا إلى تهنئته والوقوف وراءه. وفي تغريدته التي لا تخلو من وضوح الرؤية قال الدكتور أنور قرقاش مستشار رئيس الدولة للشؤون الدبلوماسية: «إن الزيارة تأتي ضمن خياراتنا السيادية المستقلة، ورغم ذلك فإن ما تشهده الحرب في أوكرانيا من تصعيد يتطلب حلاً عاجلاً عبر الدبلوماسية والحوار واحترام قواعد ومبادئ القانون الدولي».

الزيارة قد لا ترضي البعض، لكن المواقف السيادية للدول تظهر عند الأزمات والمحن، والمواقف العقلانية الرافضة لجنون الحرب هي التي تبرز الآن في سياسة دولة الإمارات، التي أخذت في عهد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أبعاداً جديدة. وهناك عدة أسباب تدفع رئيس دولة الإمارات إلى زيارة روسيا وبحث مسألة إنهاء الحرب وإيجاد بدائل لإنهاء الصراع. فروسيا تربطها بالإمارات علاقات اقتصادية قوية وثابتة تتدعم بمشاريع الاستثمار المشتركة؛ حيث توجد في الإمارات نحو 3 آلاف شركة روسية، وهناك تعاون ضخم في مجال الغاز والنفط وفي العلوم والتكنولوجيا والتعليم، ولا نعتقد أن هناك دولة في العالم يمكن أن تفرّط في مصالحها من أجل إرضاء أطراف أخرى. والسبب الثاني الذي لم يفهمه الغرب أن العالم يتغيّر وأن سياسة «الشرطي الأوحد» قد انتهى عصرها، ونحن على أبواب ميلاد عالم متعدد الأقطاب، ستولد فيه قوى جديدة لا بد من الأخذ برأيها في كل الملفات الإقليمية والدولية؛ لأنّ لهذه الأطراف القول الفصل في عدد من القضايا.

ولا أحد يمكن أن ينكر الدور والمكانة التي اكتسبتها دولة الإمارات على المستويين العالمي والإقليمي، وهو ما يؤهلها لأن تلعب دور قاطرة السلام، والتنمية العادلة والمشتركة. ولأن روسيا تفتح أبوابها لمثل هذه النوعية من العلاقات وتدفع نحو عالم متعدد الأقطاب، مثلما أكد ذلك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على هامش أعمال قمة مؤتمر «التفاعل وتدابير بناء الثقة في آسيا» (سيكا) المنعقدة في أستانا عاصمة كازاخستان، فإن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد ومن ورائه دولة الإمارات لا يمكن أن يتخلف عن ركب البناء والاستقرار والتنمية. هذه هي فلسفة الحكم، وهذه هي خيارات السيادة المستقلة التي تسير عليها قيادة الإمارات. فأن تكون قوة خير في زمن الحرب هو الهدف الأعظم الذي تسير عليه القيادة الرشيدة والحكيمة. أما الذين يريدون تثبيت العالم عند تسعينات القرن الماضي، أي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور ما سمي النظام العالمي الجديد، فلا يمكن أن نقول لهم إلاّ أنّ هذا النظام بات قديماً وبالياً ولا يلبي طموحات الشعوب في الاستقرار والتنمية والنظر إلى المستقبل.

[email protected]

 

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4n9hwf8j

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"