عادي
يحكي سيرة مارلين مونرو

«بلوند».. سلسلة من المآسي والسوداوية

23:54 مساء
قراءة 5 دقائق
14

مارلين سلوم

أفلام السير الذاتية تلقى إقبالاً جماهيرياً غالباً؛ لأنها تعيد إلى الشاشة نجوماً أحبّهم الناس، ونالوا نصيباً وافراً من الشهرة، سواء كانوا سياسيين، أو علماء، أو فنانين، ولأنها أيضاً تسلط الضوء على جوانب خفية من حياتهم الشخصية التي لا نعرف عنها الكثير، لكن ليست كل تلك الأفلام تلقى النجاح المتوقع منها. فبعضها يخيّب الآمال، وبعضها الآخر يستحق الجوائز والتصفيق، وإذا كان فيلم «إلفيس» الذي عرض هذا العام عن «الملك» إلفيس بريسلي، نال نصيباً كبيراً من النجاح، فإن فيلم «بلوند»، أو «شقراء» الذي يعتبر من أضخم إنتاجات «نتفليكس» لهذا العام وتعرضه المنصة عن سيرة حياة مارلين مونرو، قد نجح في خلق حالة من الرغبة الشديدة لدى الجمهور والنقاد للمشاهدة، تبعتها حالة من الاستنكار والجدل للتناقض الكبير بين الصورة العالقة في أذهان الناس لرمز الجمال والإغراء منذ ولادتها في «هوليوود»، وحتى اليوم، وفجاجة ما نراه على الشاشة.

لأن ما قرأناه من حقائق مؤكدة عن مارلين مونرو، ليس بالكثير، ولأن حياتها ومآسيها وطريقة وفاتها شابها الكثير من الغموض بسبب علاقتها بالرئيس الأمريكي، جون كنيدي، نجد اليوم صعوبة في تقبل فيلم «بلوند» كحقيقة مطلقة نستند إليها عند الحديث عن نجمة الجمال والإغراء، خصوصاً أن مؤلفه ومخرجه أندرو دومينيك، استند إلى الرواية التي كتبتها جويس كارول أوتس عام 2000، ولم يرجع أبداً إلى المذكرات التي كتبتها بنفسها نورما جين، المشهورة فنياً باسم مارلين مونرو، وتم الكشف عنها بعد وفاتها عام 1962.

حيرة

ساعتان و47 دقيقة نعيشها مع أشهر شقراء عرفتها السينما العالمية، والمرأة التي حسدتها نساء العالم في الخمسينات والستينات، وحاولن تقليدها، تخرج من بعدها وأنت مغلف بحالة من الاكتئاب والاشمئزاز والحزن. هل هدف المخرج أن تتعاطف مع نورما جين وتعذر مارلين مونرو؟ هل كل هذه الكآبة ستدفعك إلى معايشة معاناة تلك المرأة التي ادعت السعادة، واشتهرت بجمال ابتسامتها، بينما كانت تعيش مآسي حقيقية، وبالكاد تعرف الفرح والضحك؟ هل كل هذا التصوير الإباحي المقزز سيجعلك تتعاطف مع هذه النجمة وتعتبرها ضحية والدها الذي لم تعرفه، وكل الرجال الذين عرفتهم، وكل ما مرت به، وعاشته؟

لا تفهم إصرار الكاتب والمخرج أندرو دومينيك على تقديم الفيلم بكل تلك العلل التصويرية، كأنه يزيد من العلل النفسية والاجتماعية التي عاشتها نورما جين (آنا دي أرماس)، ويصر على إزعاجنا وقهرنا أكثر، فيصور كل حالة تمر بها حتى في علاقاتها الحميمية بتفاصيل لا حاجة درامية ولا فنية لها، كأننا لن نستطيع فهمها والتعاطف معها إلا بهذه الفجاجة في التصوير والإخراج.

الاسم الحقيقي

أندرو دومينيك، يحرص على تكرار الاسم الحقيقي للشخصية والذي تحب هي نفسها أن يناديها الناس به «نورما جين»، ليظهر لنا كيف عاشت حالة انفصال بين حقيقتها والصورة التي قدمتها بها «هوليوود»، أو صنعتها لها باسم مارلين مونرو، وجعلت منها رمزاً للحسناء الشقراء، ورمزاً للإغراء. ينطلق من طفولتها، صغيرة جميلة بملامح ملائكية أدتها باقتدار شديد وحرفية عالية الطفلة ليلي فيشر، تعيش مع أم غير سوية، مقهورة، تقهر ابنتها، وتحمّلها ذنب هجر حبيبها لها منذ أن علم بأنها حامل، ورفض الاعتراف بطفلته والزواج من أمها، رغم أنه رجل مشهور وفاحش الثراء، كما قالت لها أمها (جوليان نيكولسن). اضطراب نفسي أدى بالأم إلى دخول مصحة عقلية، وأدخل الفتاة داراً للأيتام زارعاً فيها عقدة رافقتها طوال حياتها، حيث بقيت تحلم برؤية والدها ولو مرة، ورأت في كل الرجال الذين عرفتهم صورة عنه، لذا نادت كل من تزوجته «أبي».

نورما جين، الصبية الشقراء الآتية من عالم الإعلانات وأغلفة المجلات إلى عالم التمثيل، تقبل بكل التضحيات من أجل الوصول إلى «هوليوود». امرأة ضعيفة، يستغلها كل الرجال الذين مروا في حياتها، انطلاقاً من أول منتج طرقت بابه، وصولاً إلى الثنائي إيدي روبنسون (إيفان ويليامز)، وكاس شابلن ابن شارلي شابلن (كزافيه صاموئيل)، ثم زوجها نجم رياضة «البيسبول» جو ديماجيو (بوبي كانافال)، الذي عشقها بجنون، ووصلت به الغيرة إلى تعنيفها وضربها، وصناع الأفلام الذين لم يروا فيها موهبة التمثيل بقدر ما استغلوا جمالها لجذب الجمهور، فمنحوها أجراً أقل بكثير من أجر نجمة معروفة شاركتها التمثيل في العمل نفسه، مثل جاين راسل التي نالت عن دورها 100 ألف دولار بينما خصصت الشركة المنتجة لمارلين خمسة آلاف فقط، ما أثار غضبها ورفضت العمل.

لحظات الانهيار

حياة مملوءة بالمآسي، لكن مارلين مونرو كانت طوال الوقت ناعمة، سلسة، صوتها منخفض كأنها تهمس، باستثناء لحظات الانهيار التي عاشتها في أواخر حياتها؛ من المعلومات المهمة التي يمررها لنا الفيلم أن نورما جين كانت مثقفة، على عكس ما قيل عنها أنها كانت «شقراء بلهاء». كانت تقرأ دوستويفسكي، وتحب الشعر والروايات، وتحلم بالسفر إلى نيويورك لتتعلم أصول التمثيل، والأهم أنها كانت طوال الوقت تريد الهروب من هذا القالب الذي وضعتها فيه «هوليوود»، لتعيش بسلام مع رجل تحبه وتنجب الكثير من الأطفال وتؤسس أسرة جميلة. عاشت واقع هذا الحلم في كل مرة تزوجت فيها، وكاد أن يكتمل كما تتمناه حين تزوجت من الكاتب آرثر ميلر (أدريان برودي) وحملت بطفل لم يكتب له أن يولد، فدخلت في مرحلة الاكتئاب الكبرى.

من مميزات العمل أنه قدم 3 شخصيات دفعت ثمن غياب الأب عن حياتها، أو تضررها من صورة الأب وكثرة شهرته: ابن شارلي شابلن، وابن إيدي روبنسون، ونورما جين التي كانت أمها فنانة ولم تر والدها. في المقابل كثيرة هي التفاصيل التي يحشو بها المخرج أندرو دومينيك هذا الفيلم فيصيب المشاهدين بملل يضاف إلى السوداوية وحالة الاكتئاب التي تسود الأحداث.

وللأسف، لا تستطيع أن تستمتع بأداء البطلة آنا دي أرماس المقنعة جداً، والمقتربة من شخصية وروح نورما جين، ومارلين مونرو، حتى الالتحام، وتلمس إحساسها بالدور بكل حواسها وملامحها، ولا تجد ما تتوقعه من جمال وأجواء الزمن الماسي في هوليوود، حتى الأضواء والشهرة وملاحقة الصحافة للنجمة المحبوبة بدت في الفيلم كأنها تنهش لحمها طوال الوقت ولا تمنحها أي شكل من السعادة. وكأن المخرج أراد أن يقسو على الجمهور بنفس قسوة الحياة التي عاشتها مارلين مونرو، فنجح في مسعاه هذا، لكنه ترك فينا إحساساً بالنفور من العمل وعدم الرغبة في إعادة مشاهدته، ولا ننصح بمشاهدته من يشعرون باكتئاب، أو يمرون بأزمات نفسية، ولا من هم دون العشرين، وليس 18 عاماً فقط.

مبالغة

يتعمد بعض المؤلفين المبالغة في وضع تصوراتهم لأحداث عاشها المشاهير في حياتهم الشخصية، فيستندون إلى حقائق معينة ونقاط رئيسية ينطلقون منها لرسم خطوط أخرى بعضها موازٍ للحقيقة وبعضها الآخر يحلق بعيداً على جناحي «حرية التعبير واتساع مساحة الخيال»؛ لكن للأسف، لا يدرك هؤلاء أن كل عمل سينمائي أو حتى تلفزيوني قادر على تسجيل أحداثه بكل تفاصيلها في أذهان ملايين الناس، فيصبح ما يراه الجمهور على الشاشة هو الحقيقة العالقة في الذهن والملتصقة بصورة هذه الشخصية إلى الأبد.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc5jpam9

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"