فضيحة القرن العراقية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

يونس السيد

أثارت قضية أكبر سرقة للمال العام في تاريخ العراق، والتي كُشف النقاب عنها مؤخراً، سخطاً وغضباً شعبيين عارمين، ليس فقط بسبب حجمها الضخم الذي قُدِّر بنحو 3.7 تريليون دينار عراقي أو ما يعادل 2.5 مليار دولار، والتي أطلق العراقيون عليها «سرقة القرن»، وإنما أيضاً بسبب عجز الدولة عن كشف الفساد المستشري في أجهزة الدولة ومؤسساتها، في وقت يعاني فيه العراقيون أزمات اقتصادية ومعيشية خانقة.

ليست المرة الأولى، وقد لا تكون الأخيرة، التي تتم فيها سرقة المال العام، ولكنها المرة الأولى التي يتم فيها الكشف عن سرقة أموال بهذا الحجم. ومع ذلك فإن الكشف عن هذه الفضيحة يطرح تساؤلات كثيرة حول الإعلان عنها في هذا التوقيت بالذات؛ إذ يلاحظ أنه غالباً ما كان يتم الإعلان عن سرقات أقل حجماً بكثير في مرحلة انتقال السلطة من حكومة إلى أخرى، وهو توقيت ليس بريئاً بالفعل، خصوصاً أنه يأتي بعد ساعات من انفراج سياسي جرى خلاله انتخاب رئيس جديد للبلاد، وتكليف رئيس وزراء جديد بتشكيل الحكومة؛ الأمر الذي هز ثقة العراقيين المهزوزة أصلاً بكل الطبقة السياسية المتربعة على عرش السلطة والتي ستتربع لاحقاً، خصوصاً أن العراقيين يدركون أن لجان التحقيق واستدعاء مسؤولين كبار للمثول أمام القضاء، لن يحجب حقيقة وجود حماية سياسية من قيادات عليا لكل المشتبه فيهم، أو المتورطين في سرقة المال العام ونهب ثروات البلاد.

ليس سراً أن الفساد الذي ينخر معظم مؤسسات وأجهزة الدولة في العراق، يمتد إلى نحو عقدين من الزمن، ويعود أصلاً إلى النظام الطائفي الذي نشأ عقب سقوط النظام السابق عام 2003، حيث تتسابق المكونات الطائفية على نهب مقدرات البلاد، إما لبسط هيمنة مكون على المكونات الأخرى، أو لاستغلال المناصب من أجل المصالح الشخصية.

وفي كلتا الحالتين يدفع العراقيون ثمن هذا الفساد المستشري، فقراً وجوعاً وعطشاً، ويعانون انعدام الكهرباء والمياه الصالحة للشرب وخدمات البنية التحتية، وغياب المشاريع التي توفر الفرص للخريجين والعاطلين عن العمل، بينما تذهب ثروات البلاد إلى جيوب الفاسدين الذين يظلون بمنأى عن المحاسبة، بسبب الحماية السياسية الموفرة لهم.

المفارقة المدهشة هي أن محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين كانت على رأس مطالب الحراك الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأدى إلى سقوط مئات الضحايا من الشباب العراقي، من دون أن يثمر ذلك فتح ملف الفساد بشكل جدي. والأكثر إدهاشاً أن حقيقة هذا الفساد بات يدركها العالم والمجتمع الدولي، حيث يحتل العراق المرتبة 157 (من 180) في مؤشر منظمة الشفافية الدولية، لكنه يغض النظر عن ذلك ويتعامل مع العراق وفق المصالح السياسية.

هذه الحقيقة أكدتها جنين بلاسخارت المبعوثة الأممية للعراق أمام مجلس الأمن، حين قالت إن «الفساد المستشري يمثل سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي في العراق»، قبل أن تضيف: «بصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدعي أنه محمي منه».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2w7u2emn

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"