التفكير المهني الأخضر

21:15 مساء
قراءة 3 دقائق

د. راسل قاسم*

تفيض حياتنا المهنية بالمواقف التي نكون مطالبين فيها بالتفكير، فعليك التفكير في التقرير الذي ستكتبه، أو الرسالة التي سترسلها، أو الدراسة التي ستنجزها، وهكذا إلى نهاية هذه السلسلة.

حتى الأعمال اليدوية التي قد يظن البعض أننا نؤديها بتلقائية وبجهد عضلي بحت، إن تفكرت قليلاً ستجد أنها تحتاج قدراً لا بأس به من التفكير.

إذا ما أضفنا إلى ذلك أن دماغ الإنسان - وهو الجزء المسيطر وصاحب النفوذ - مصمم لكي يفكّر، وأن التفكير جزء أساسي من عمل الدماغ لا يستقيم بدونه، نجد أنفسنا محاصرين بالتفكير من كل جانب.

لقد أصبح المجال المهني، مرتعاً لمحفزات التفكير، الكتب والنشرات والممارسات والنصائح والتوجيهات التي تشجع على التفكير - ومن ثم التفكير - وصفةً للنجاح واتخاذ القرارات الصائبة.

ويذهب البعض إلى التمييز بين أنواع التفكير ولصقها بالمواقف، فهنا ندعو إلى التفكير العلمي، وهنا التفكير العاطفي، وهناك التفكير الإبداعي، ولا يجب أن تنسى التفكير الناقد والعميق.

يتبادر إلى ذهني سؤال محير، متى يكون التفكير المهني عادياً ومتى يكون زائداً؟

اختبرت عدة طرق لمعرفة جواب هذا السؤال، من أسلسها ما ذكره جون أكوف في أحد كتبه التي تناولت التفكير المفرط، فأوضح أن التفكير الصحي هو الذي ينتهي بأفعال، بينما التفكير الزائد هو الذي يؤدي إلى مزيد من التفكير.

غالباً ما نفكر في أشياء كثيرة، لكن لا نقوم بأي إجراء، إنما نفكر من أجل التفكير. وفي أحيان أخرى يكون الدافع إلى فرط التفكير هو الرغبة في الوصول إلى المثالية، والسعي إلى الحصول على جميع المعلومات الخاصة بموضوع ما، دون أن ندرك أن ذلك هو من أشباه المستحيل. فعملياً، الإحاطة بكل شيء حول أي موضوع هو وهم، وأفضل ما يمكننا القيام به هو تجميع القدر الممكن من المعلومات، واستخدامها لاتخاذ القرار المناسب، فالوقت الذي ستكون فيه جاهزاً تماماً لن يأتي أبداً.

من الآثار المهنية للتفكير المهني المفرط أنه يؤدي إلى القلق، وفي حالات متقدمة إلى الاكتئاب. وخصوصاً إذا كان مرتكزاً على أحداث غير مستندة إلى حجج أو أدلة واضحة، أو على أحداث ماضية لا يسعك تغييرها، كالاستمرار مثلاً في تأنيب نفسك على كلام تفوهت به في أحد الاجتماعات، وتكرار استرجاع هذا الموقف.

ولكن، هناك عدد من الدراسات المنشورة ومنها ما قام بها د. آدم بيركنز المتخصص في البيولوجيا العصبية والتي تفيد بأن أعراض التفكير الزائد والقلق ترتبط إيجاباً بمعدل الذكاء عند الشخص. هل يعني ذلك أن التفكير المهني المفرط علامة من علامات الذكاء؟

لإجابة هذا التساؤل، يجب أن ننظر إلى الهدف من التفكير المفرط، ونقرر فيما إذا كان مفيداً أم لا، فالتفكير المفيد هو تفكير مثمر وهو الذي سيؤدي بنا إلى اتخاذ قرار، أما التفكير المفرط فهو الذي يدخلنا في دوائر مفرغة. بالتالي فإذا كان الذكاء مرتبطاً بزيادة التفكير، فالمقصود هنا هو التفكير السليم والهادف.

المبشّر في الأمر، أنه توجد أشياء يمكنك القيام بها لتحويل التفكير الزائد من الطريق السلبي إلى الطريق الإيجابي؛ فمثلاً يمكنك أن تجعل تركيزك على النتيجة التي تريد أن تصل إليها من خلال التفكير، وكذلك سؤال نفسك كيف يمكن أن أحوّل تلك الأفكار التي تدور في رأسي إلى أفعال، ويمكنك أيضاً أن تستعين بالآخرين بشكل مباشر، أو من خلال المحتوى المنشور حول موضوع تفكيرك. سيساعدك ذلك على البقاء في منطقة التفكير الخضراء.

* خبير إداري

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/34zprepu

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"