عادي
ابتهالات تعرج بالروح

الحروف.. طريق النور في ملتقى الخط

23:23 مساء
قراءة 4 دقائق
3

الشارقة: عثمان حسن

في معرض الخط العربي بجمعية الإمارات للفنون التشكيلية يشارك خمسة خطاطين عرب معروفين بلوحات خطية وحروفية ضمن الدورة الجديدة لملتقى الشارقة للخط، وهم: تاج السر حسن من السودان، وخليفة الشيمي وحسام عبد الوهاب من مصر، ووليد الشامي من سوريا، وخالد حنيش من العراق.

ويقدم الخطاطون في هذا المعرض تجربة جمالية، تعكس تمرسهم في كتابة الخط، ويحاكون من خلالها شعار الملتقى الجديد «ارتقاء».

موا يميز هذا المعرض هو مزجه بين اللوحة الخطية، التي تستند إلى قواعد ومعايير كتابة الخط، وأيضاً التجربة الحروفية واللونية سواء على خامات الورق، أو الكانفاس، ومن خلال أدوات متعددة كالحبر والأكريليك، ومن جهة أخرى، فقد قدم المعرض تجربة فريدة من حيث تنوع الخطوط بين الثلث والجلي الديواني والخط المصحفي وغيرها من الخطوط التي قدمت، وبحسب خبرة الخطاطين، فإن التجربة البصرية والجمالية تستند إلى روحانية الخط العربي بوصفه فناً إسلامياً خالصاً، لارتباطه الوثيق بكتابة القرآن الكريم، ولكونه أصل لفن مرئي مزدهر في صدر الحضارة الإسلامية.

ثراء بصري

استطاع المعرض أن يقدم للمشاهد تشكيلة ساحرة من الثراء الفني في تكوين الخط والحرف، وذلك من خلال حرص الخطاطين المشاركين على مراعاة أقصى درجات التصميم والإبداع في ضوء تجربة روحية وتأملية قل نظيرها.

ويقدم الخطاط تاج السر حسن واحدة من اللوحات بعنوان «إن الله كتب الإحسان على كل شيء» - حبر على ورق خاص.

وتاج السر حسن معروف بكونه أحد المجددين في اللوحة الخطية، عدا عن تجربته المهمة في الحروفية، وفي مشاركته الجديدة يحرص تاج السر أن يقدم الخط في حلة معاصرة، بحيث تبدو اللوحة الخطية في أعماله وكأنها صورة يعانق فيها الحرف والخط ترنيمة مدهشة من الثراء البصري الذي يفيض بالروحانية والتأمل.

زخرف

وفي هذا السياق يمكن النظر إلى مشاركة الخطاط حسام عبد الوهاب «الله ولي التوفيق» الذي نفذها بالحبر على ورق أبرو، مستخدماً خط الجلي الديواني، وظهرت اللوحة مزينة باللون وأناقة التصميم، من دون أن تفقد الكلمات وهجها على سطح الورقة، الكلمة في هذا التشكيل البصري للخط يفيض بروحانية المعنى، والنور الذي يخترق اللون، وقد راعى عبد الوهاب في تصميم الخط الجلي الديواني، أن يحرص على إبراز خصائص هذا الخط من حيث اعتماده على استدارة الحروف وتداخلها، وما زاد في جمال هذه اللوحة تلك التشكيلات الزخرفية التي تحيط الحروف وتتداخل معها في وحدة متناغمة من البهاء والجلال وعمق المعنى.

قلم وحرف

من جانب آخر، يقدم الخطاط خالد حنيش تجربة يمزج فيها بين نوعين من الخطوط وهما الثلث والخط المصحفي، على جدار قديم بالثلث والمصحفي، أكريليك على كانفاس، ومعروف عن خط الثلث، وهو الأشهر بين أنواع الخطوط الأصيلة أنه من أصعب الخطوط العربية، حيث تتطلب كتابته حرف القلم وسمكه من حيث القواعد والموازيين، لما يمتاز به من مرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، أما مزجه مع الخط المصحفي، فيزيد من ألق هذا التمازج، ذلك أن «المصحفي» هو الآخر يختص بميزات تمزج بين خصائص خطي الثلث والنسخ، ومعروف أنه من الخطوط العربية الأصيلة التي كانت تكتب به المصاحف في العصر المملوكي، في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين.

بدوره يقدم الخطاط خليفة الشيمي تجربة لافتة بعنوان «حروفيات» يستخدم فيها الأكريليك على كانفاس، وهذه التجربة تعد امتداداً لما سبق ومارسه الشيمي من هندسة الحرف على فضاء المسطح سواء القماش أو الورق، وفي هذه التجربة المميزة التي تعانق فيها اللون مع الحرف قدم الشيمي لوحة بصرية فيها الكثير من الرشاقة، ناهيك عما أضفته من روحانية وتأمل، ومن يشاهد اللوحة الحروفية، يطوف في فضاء الابتهال الذي يحفر عميقاً في داخل النفس والعقل والوجدان. فاللوحة تجذب المشاهد إلى التأمل ومناجاة الخالق، وهي بالتالي تنجح كما سبق.

وقال الشيمي: «في تشكيل نص بصري ينتقل بالمتلقي إلى حالة ذهنية أقرب إلى الصوفية، حيث الألوان والخطوط التي تترك مساحة للمشاهد لينخرط من خلالها في تلك المناجاة».
تطويع

في المشاركة الخامسة، يقدم الخطاط وليد الشامي لوحة حروفية في صورة من الجمال الخالص بعنوان «الشارقة حضارة» - أكريليك على قماش، ومن يتابع تجربة وليد الشامي الذي سبق له أن شارك في معارض كثيرة في الإمارات، يلحظ قدرة فائقة على تطويع الحرف، كما أن لوحاته تتسم بالشفافية والغنائية الفنية بأبعادها الروحية، خاصة في تلك اللوحات التي اعتمد فيها على الأدعية والآيات القرآنية وما فيها من بعد إيماني وروحي.

في لوحة «الشارقة حضارة» تتراقص الحروف في بحر من بهاء الألوان، فلكل حرف مدلول ومعنى على سطح اللوحة، ولكل حرف صورة في فضاء فسيفسائي من النور الذي يستكمل مداراته، مخترقاً النفس البشرية، وقديماً قال اقليدس: «الخط هندسة روحانية...» ويبدو أننا مع هذه اللوحة، لا سيما ونحن نتتبع حركة النقطة التي تتشكل على هيئة دائرة سابحة في فضاء الكتلة، حيث لا بداية ولا نهاية لها نشعر بمعنى الخلود، وهو الذي نكاد نلمسه أيضاً ونشعر به في المشاركات الخمس التي قدمت تجربة الحرف وطاقة الحرف وقدرته على تقديم نصوص وتكوينات وإيقاعات تستفز عقل ووجدان المشاهد وتجول به في سماوات فكرية ونورانية عز نظيرها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/yc4rasah

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"