عادي

حمد الحمادي.. الرواية في خدمة الوطن

23:29 مساء
قراءة 5 دقائق

علاء الدين محمود

في هذه الزاوية، نحتفي بمجموعة من أبرز مبدعينا الذين قدموا لمسات أدبية جمالية وإمتاعية، أثرت الوجدان، وارتقت بذائقة القراء، منحونا زاداً عبّر عن إنجازات الوطن وتحولات المجتمع وهموم البشر، كانوا ذاكرتنا التي تؤرخ للمكان ومدونتنا التي عبرت بصدق وإخلاص عن آمالنا وأحلامنا، هم قناديلنا التي نسترشد بها في دروب الحياة.

«الأدب السياسي كان مفقوداً نوعاً ما في الإمارات، حيث كانت الرواية تركز على القضايا الاجتماعية، بينما طرأت على الساحة الكثير من القضايا السياسية التي كان يجب على الأدب التعاطي معها بطريقة أو بأخرى، وبالنسبة لي كروائي إماراتي اخترت هذا المجال بحكم أنه يطرح قضايا مهمة يجب أن تصل إلى المجتمع بعيداً عن الطرق الإعلامية»، تلك الكلمات للروائي الإماراتي الشاب د. حمد الحمادي تؤكد سيره في طريق خاص، يمارس فيه فعل الكتابة الإبداعية، وهو الأمر الذي تميز به عبر رواياته التي تنفرد بلغتها وبأسلوبها وتُقارب قضايا جوهرية، الأمر الذي جعل اسم الحمادي يلمع في سماء الأدب والثقافة الإماراتية، خاصة أن بعض مؤلفاته تحولت إلى أعمال روائية، لتجد بالتالي طريقها نحو الانتشار لتعانق القراء بمختلف أنواعهم وفئاتهم، وليتفرد كرائد للرواية السياسية.

جاءت بدايات الحمادي مع الكتابة مختلفة قليلاً، لكنها تنسجم مع روح العصر، مع دخوله عالم التواصل الاجتماعي من خلال «تويتر»، حيث كان يحرص على أن تكون تغريداته ذات طابع أدبي، فكان أن وجد قبولاً وتفاعلاً كبيرين، وهو التفاعل الذي كان بعضه يدعم آراء الحمادي، والآخر يختلف معها، وفي كل الأحوال أوجد ذلك الأمر نوعاً من الحواريات والمناقشات، وبعد مرور فترة من الزمن على تلك التجربة، وجد الحمادي أن لديه الكثير من الأفكار المطروحة في صفحته على الموقع، فكان أن قام بجمعها في كتاب أطلق عليه اسم «يساراً جهة القلب» في عام 2012، فكان ذلك المؤلَّف هو أول إصداراته الأدبية، أراد من خلاله، أن يحول كل تغريدة له إلى مقال أو قصة قصيرة تدور حول محور التطوير الشخصي.

وككثير من الكتاب الشباب الذين ترعرعوا في زمن التقنية والإنترنت ومواقع التواصل، فإن الحمادي في قراءته ظل يميل نحو الروايات السريعة ذات الحبكة المثيرة، ويبتعد عن الأعمال الأدبية ذات السرد الوصفي المطول، وذلك الأسلوب انعكس في كتاباته، التي استندت إلى حبكات يتوفر فيها التشويق والإثارة وسرعة الأحداث، وهو يؤمن أن أسلوب وطريقة أي كاتب هي نتاج قراءاته وثقافته.رسائل

وعلى الرغم من أن الحمادي توجه بصورة كبيرة نحو الأدب السياسي، فإن أعماله المتنوعة تنهض برافعة التحليل والرؤى الفكرية، حيث إن الرواية السياسية عند الكاتب تحمل الرسائل وتحتفي بالمعنى، فهو يرى أن: «الأدب السياسي يحمل في ثناياه مجموعة من الرسائل الهادفة، ويعمل على ترسيخ الوطنية»، وذلك يوضح أن للرجل مشروعاً ينطلق من حب الأوطان وضرورة ترسيخ الحس الوطني عند أبناء وبنات البلد، وكذلك تثبيت وعي حقيقي، عبر توضيح الصور حول القضايا الشائكة التي يتناولها، فهو يسهم في نشر روح التسامح في المجتمعات، وفي تعزيز فهم التقبل والتعايش، لا سيما من خلال تسليط الضوء على الكوارث التي يسببها عدم التقبل وتهميش التسامح مجتمعياً، ويعمل الحمادي، من خلال أساليب وتقنيات في السرد، على تمرير عوالم السياسة الثقيلة، وجعل النص خفيفاً على قلب القارئ عبر عوامل التشويق، وهو يقول عن تجربته تلك: «إن إضفاء بعض الرسائل ضمن المزيج الروائي لا ينتقص من العمل ولا يحيله شيئاً آخر خارج نطاق التصنيف الروائي، وأعتقد أن الرواية أوسع من التضييق الذي يحاول بعض النقاد فرضه عليها»، فهو يرى أن هنالك حاجة فعلية إلى إيصال العبر والرسائل إلى الأجيال الإماراتية الناشئة بالطرق المناسبة لهم والتي ربما لا تشمل أخبار الصحف والبرامج الوثائقية، ويقول: «الأجيال الناشئة أكثر إقبالاً على الروايات والأفلام والمسلسلات»، ولعل أكثر ما يميز الحمادي في أعماله الروائية، التنوع والتعدد، حيث تحتشد مؤلفاته بالمواضيع المختلفة.

سيرة وطن

كانت البداية الفعلية للحمادي في مسيرته مع السرد الروائي، من خلال عمل اشتهر كثيراً، ووجد قبولاً مختلفاً، ودشن به مرحلة جديدة من الأدب الإماراتي، وهو رواية «ريتاج»، التي صدرت عام 2014، واعتبرت أول رواية سياسية في الدولة، حيث لقيت احتفاءً كبيراً وتم تحويلها في عام 2016، من قبل تلفزيون أبوظبي، إلى مسلسل جاء بعنوان «خيانة وطن»، وهو العمل الدرامي الذي لقي قبولاً كبيراً، واعتبر المسلسل الأكثر مشاهدة حسب الإحصائيات في ذلك الوقت بالنسبة للقنوات المحلية، بالإضافة إلى تصدره قائمة الترند في «تويتر»، كما حظي المسلسل بتركيز مجتمعي وإعلامي وصفه الكثيرون بأنه نقطة تحول تاريخية للدراما الإماراتية، وهو كذلك أول مسلسل وطني سياسي في تاريخ الدراما الإماراتية، وبسبب هذه الرواية حصل الحمادي على جائزة أوائل الإمارات، وتم تكريمه من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، وهي الرواية التي تعمل على محاربة الإرهاب، وتقدم في ذات الوقت مقاربات متنوعة وفيضاً من الأسئلة، ولعل عنوان الرواية نفسه، «ريتاج»، والذي يعني الباب الموصد، يشير إلى انغلاق تلك الجماعات، وقد اعتبرت الرواية عند كثير من النقاد تحمل سيرة وطن، وتنشد قيم التسامح والخير والجمال لوطن يستحق.

استشراف المستقبل

دفع نجاح «ريتاج»، الحمادي لكتابة المزيد من الأعمال، فصدرت له رواية «لأجل غيث»، عام 2015، وهي الأخرى ذات طابع سياسي أمني تتناول مسألة التغرير بالشباب بشكل عام للانضمام إلى تنظيم «داعش»، وتبعها في عام 2016، برواية «هل من مزيد» وتتحدث عن قضية شباب المنارة التي تم الحكم فيها، وفي عام 2017، صدرت له رواية «استشراف القلوب»، وتتحدث عن الإمارات بعد 7 سنوات عام 2025، وفكرتها الأساسية تدور حول تطور الحكومات بفعل تطورها في مجال التكنولوجيا، وهي تتناول الصراع بين الشر والخير، وبين الظلام والنور، وتركز على مسألة استشراف المستقبل وتأثير الذكاء الاصطناعي في ما يسمى بإرهاب المستقبل.

وإلى جانب الأعمال الروائية، فإن للكاتب العديد من المؤلفات الأخرى في مجال التحفيز الذاتي، فصدر له في عام 2019 كتاب «سواداً جهة القلب» ويتناول تحويل التحديات إلى مؤثرات إيجابية في حياتنا، حيث إن الكاتب في الأساس متخصص في الذكاء الاصطناعي وحصل على درجة الدكتوراه في هذا المجال، والعديد من أعماله الروائية تحاول أن تتجه نحو المستقبل وتبرز دور الذكاء الاصطناعي في مجتمعات المستقبل.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4c3kcenm

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"