كل شيء جميل

أصعب ما يمر به المرء في حياته هو الابتلاء، حين تعتصره مشاعر ألم لا يعرف ماهيتها، ولا يدرك تفاصيلها، قلبك ينتزع من الداخل، ويحل مكانه فراغ كبير، خواء لا يعتريه الأمان، تصبح الدنيا مظلمة ويصير الليل طويلاً، بلا هدنة ولا سكون، تشع في داخلك حمى قاتلة، وتسيرك الأفكار لشخص تائه، تدركك الأحلام فتصير كابوساً لا يطاق، تهجر النوم علك تهرب من كل ما يخيفك، تتوجس الحياة وتدرك حينها أنها صعبه لا تطاق، تجبر نفسك حتى على اشتهاء الماء وأحاديث البشر.
 تصبح كل اللحظات سوداء وكل الأحاديث دون قيمة، تجمع شتات نفسك وتعود إلى سجادتك، تبكي، تسأل الله وتدعوه لعلها تفرج، فتصبح الحلقات أضيق وأضيق، وتختنق من شدة الموقف، حتى يصيرك مريضاً لا يعرف كيف ينهض من الفراش، أو محطماً لا يريد أن يختبر شيئاً جديداً في هذه الحياة. تسأل وتلح على الله، وتخبره بما لا يقال لبشر، وتنتظر بيقين لطف الله بك، فتدرك لحظة الانفراج ومن هولها لا تعرف كيف أنك انتقلت من حال إلى حال، في معية الله، حبه ولطفه وكرمه..!
في هذه الحياة خلقنا لنعيش الابتلاء، في أيامنا، تفاصيلنا، الأشخاص، الدراسة، العمل، المستقبل، لن يسير الكون وفق ما خططنا له، بل يعيد الله الموازين لتكون بحكم تدبيره أفضل مما تريد، قد تحترق ألماً من خسران شيء كنت تريده بشدة، وقد ترفض الانفلات من التعلق بأي شيء، فتتعلم بدرس قاس أن الكل يرحل ويخذل ويبكي إلا الله، التعلق بالله راحة، والعودة له اطمئنان، واللجوء له استقرار، في كل شيء الله موجود، فعد بتفاصيل كل شيء تريده إليه، لا تخجل من مناجاته ليلاً، لا تسأم من الحديث معه كل يوم، لا تتردد ولا تخف فهو لن يجرحك، ولن يهينك ولن يذلك، سيستقبلك بأبواب سماء مفتوحة مطلقة، دعاء مرسل لا يوقفه بشر أو تنتظر توقيع أحدهم، استرح، وأرخ حملك عنده، كن جميلاً في سؤالك ولا تبتئس بفعل البشر.
الدعاء جميل، ولطف الله مبهر، الحياة بين يديه عالم من الأمن والأمان، ومهما اعترانا الألم وفقدنا سنرضى به، وبما يدبره لنا، سنفرح وستنفرج الأسارير دهشة مما يدبره لنا، فليس كل ما نريده خيراً وليس كل ما منع شراً، اليقين واجب حين تدعو، والتصديق اختبار فكن واثقاً بأن ما بقلبك نقي وصاف دونما شبهات أو شك. 
كن صابراً في كل خطواتك، دارساً له ومتوكلاً على ملك الملوك، كن ذا قيمة، ذا أخلاق ودين، لا تُحزن أحداً ولا تظلمه، لا تتلاعب بأحد ولا تستصغره، كن واثقاً بأن ما تقدمه في هذه الدنيا سيعود لك، فكن أهلاً أن تقف أمام الله وأنت بخير ذو صحيفة لا تخجل منها، فأنت إنسان يستحق كل شيء جميل.
[email protected]