عادي
قناديل إماراتية

نجيب الشامسي... كتابة تحن إلى «زمن الطيبين»

20:38 مساء
قراءة 4 دقائق
الدكتور نجيب الشامسي
  • -37 كتاباً في مختلف حقول المعرفة

الشارقة: علاء الدين محمود

«الاقتصادي بروح الأديب وقلب الفنان»، ربما يكون ذلك هو الوصف الأنسب لتجربة الكاتب ورجل الأعمال الإماراتي د. نجيب عبد الله الشامسي، الذي جمع بين عوالم قد يبدو بينها التناقض البيّن، غير أن الرجل استطاع أن يؤلف بينها، ليؤنسن دنيا المال والاقتصاد، وبالتالي يبدد تلك الصورة النمطية التي ارتبطت بها، ويبدو ذلك الأمر واضحاً من خلال بعض الأعمال الإبداعية التي يتحدث فيها عن العلاقة بين المال والعواطف، مثل: النص المسرحي «يحدث بعد منتصف الليل»، الذي يدور حول العلاقة الإنسانية حين يتحول الرجل إلى عبد للمال، فلا يهتم بمشاعر أقرب الناس إليه، ومن الواضح أن ذلك الأفق الإنساني لا يغيب أبداً في كتابات الشامسي، الذي يعد من القامات الثقافية الكبيرة في الدولة، وهو صاحب دور بارز في تأسيس صرح اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات.

وربما يعود نجاح الشامسي في أكثر من مجال واحد إلى السمات التي يتحلى بها؛ مثل الإصرار الدائم والتحدي المستمر، وهو بنفسه يشير إلى تلك المعاني عبر قوله: «أنا من الناس الذي يعشقون التحدي، وأركب الموج ولا أقبل بالاستسلام والضعف، وفي البداية واجهت صعوبة للحصول على الوظيفة التي تناسب تخصصي؛ حيث قدمت في عدة جهات وقوبل طلبي بالرفض أكثر من مرة، حتى تمكنت من اقتناص الفرصة تلو الأخرى بالعمل الجاد والطموح»؛ وذلك الحديث يحمل العديد من الدلالات والمعاني، أهمها أن تجربة الشامسي احتشدت بالإصرار وقوة الإرادة في كل المجالات التي صنع فيها اسماً، فكان من رجالات المال والأعمال، وفي ذات الوقت توهج نجمع في الأدب والفنون، عبر اشتغاله على نمطين من الكتابة الإبداعية، وهما المسرح والسرد؛ حيث استطاع أن يرفد المكتبة الإماراتية والعربية بالعديد من النصوص التي وجدت صدى طيباً من قبل النقاد والجمهور؛ حيث بلغت مؤلفاته قرابة ال37 كتاباً، موزعة بين الاقتصاد والدراسات وبحوث المسرح والتراث والثقافة العامة.

*بدايات

علاقة قديمة تلك التي ربطت بين الشامسي، والكتابة الإبداعية؛ حيث كان يحرر مجلة حائطية بخط اليد في مدرسة «الصديق» الثانوية في رأس الخيمة، كما أصدر، مع آخرين، مجلة ثقافية حملت اسم «المسيرة»، وكذلك مجلة «الوعي الطلابي» في جامعة الإمارات في سبعينات القرن الماضي، كما أنه كان يكتب حينها أيضاً لمجلة «الأزمنة» العربية التي كانت تصدر من الشارقة، وكان الشامسي، منذ المرحلة الإعدادية، شديد الشغف بالقراءة، وكان يطالع أعمال المؤلفين الكبار في العالم العربي حينها؛ مثل: نجيب محفوظ، وإحسان عبد القدوس، ومصطفى لطفي المنفلوطي وآخرين، إضافة إلى كتاب عالمين مثل تشارلز ديكنز، وليو تولستوي، وإرنست همنجواي، ويقول: «كان المناخ حينها محفزاً للقراءة، وكنت أهتم أكثر بالروايات التي ساعدتني في تحسين لغتي، ثم جاءت مرحلة التحاقي باتحاد كتّاب وأدباء الإمارات التي أسهمت في بناء قدراتي وصقل تجربتي».

ووجد الشامسي الدعم الكبير من قبل والده، وهو الرجل الذي غرس فيه المعاني والقيم السامية، ودعمه ووقف إلى جانبه، وشجعه على نهل العلم والمعرفة، وحرص على أن يكمل الشامسي الابن دراسته، وأن يكون الرجل الذي هو عليه اليوم، خاصة أن الوالد الذي كان يعمل في تجارة اللؤلؤ «القماش»، كان رجل دين وقاضياً معروفاً بين أبناء المنطقة في رأس الخيمة؛ حيث نشأ وترعرع الشامسي، وكان لتلك الإمارة ذات التاريخ العريق، والموقع المتميز، الأثر الكبير في تشكيل وجدان الكاتب، ويقول الشامسي عن علاقته بوالده: «كنت في سنواتي الأولى شغوفاً بعمل والدي، الذي كانت لديه سفينة تجارية، وكان يرتحل في البحر طويلاً؛ حيث كنت أرافقه في رحلات تجارة الديزل والكاز، فكان لذلك الأثر الكبير في بناء معالم شخصيتي؛ إذ تعرفت إلى العالم الخارجي وحياة السوق مبكراً».

*سفينة الماضي

كانت أول مؤلفات الشامسي هو كتاب «الإمارات في سفينة الماضي»، والذي صدر في أوائل الثمانينات من القرن الماضي، ويلفت إلى العلاقة الخاصة التي تربطه بذلك المؤلف باعتباره أول كتبه، وكذلك لأنه جاء عن الإمارات وتراثها الراسخ المجيد، وكان بداية للعديد من المؤلفات، والكتاب هو تجوال حر وعميق في تاريخ الإمارات وما ساد فيها من أنشطة وممارسات ثقافية متعددة، كما يطل الكتاب على الكثير من الطقوس الاجتماعية؛ حيث يتجول القارئ في تلك العوالم بسرد ممتع وشيق.

ولعل من أبرز المؤلفات السردية للشامسي، كتاب «شياطين الفريج»، وهو أول مجموعة قصصية له، وتضم 29 قصة شعبية، تتناول مجتمع ما قبل الاتحاد، بلغة بسيطة تغلب عليها اللهجة الإماراتية المحكية والمفردات المحلية، لتقترب من الواقع التاريخي للمجتمع، وتقوم قصص الشامسي على أربع شخصيات رئيسية، إلى جانب أخرى تظهر في سياق السرد، وفقاً للتطور التاريخي والأحداث، في القصص، التي استوحاها المؤلف من وحي المدينة القديمة ل«رأس الخيمة»، بعضها شخصيات حقيقية، عايشت فترة ستينات القرن الماضي، وتدور الحكاية فيها حول التحولات الاجتماعية مع دخول الخدمات التعليمية للمدينة، ثم الماء والكهرباء، وصولاً إلى الانتقال من الأحياء القديمة إلى نظيراتها الحديثة، وتستلهم تلك المجموعة القصصية، عوالم نجيب محفوظ، التي تتحدث عن الحارة القديمة في مصر، فيما تسعى القصص، التي تفوح منها رائحة الأصالة والحنين إلى رأس الخيمة القديمة، إلى عكس صورة صادقة لمنظومة القيم، التي رسمت معالم المدينة العتيقة في الإمارة وشخصية مجتمعها، وحافظت على قوته وتماسك أفراده، ولعل الكتاب يبرز بقوة الأسلوبية المميزة للشامسي الذي يسعى دائماً إلى استخدم لغة تخاطب القلوب، وتقنية سردية تستدعي الماضي بكل ألقه، أو ما يسميه الشامسي ب«زمن الطيبين».

*تاريخ وتراث

وعلاقة الشامسي بالكتابة لم تقتصر فقط على مجالات الاقتصاد والسرد والمسرح؛ بل وكذلك له عدة مؤلفات في حقول التاريخ والمجتمع، ومن مؤلفاته الشهيرة كتاب بعنوان «زايد وراشد... التحدي والإنجاز» الذي روى قصة الإمارات من زاوية اقتصادية تنموية تسرد الرؤية في بناء الدول، وهنالك أيضاً كتاب «الألعاب والألغاز الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، و«رأس الخيمة... وجوه وأماكن»، و«موسوعة رأس الخيمة»، وغير ذلك من الكتب التي تجمع بين التاريخ والتراث.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2p8vpws3

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"