خيارات الصين الصعبة

00:19 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. محمد السعيد إدريس

من بين كل دول العالم تتصدر كل من الولايات المتحدة وروسيا قائمة المهتمين، ربما إلى درجة الإفراط، بأحداث المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني التي امتدت لثمانية أيام، وفي مقدمتها قرار الحزب تمكين رئيسه شي جين بينغ، من ولاية ثالثة مدتها خمس سنوات قابلة للتكرار بعد التعديل الذي أجري على ميثاق الحزب الذي كان يحصر الرئاسة بولايتين فقط.

رغم الأهمية الكبيرة لكل ما صدر من قرارات عن هذا المؤتمر، إلا أن التمديد للزعيم الصيني في زعامة الحزب ورئاسة الدولة واللجنة العسكرية العليا يكتسب أهمية شديدة الخصوصية بالنسبة لكل من الولايات المتحدة وروسيا، حيث كان يراهن الرئيس جو بايدن على تهدئة في الصراع مع الصين ومنعها من تغيير موقفها الراهن من الحرب المتفجرة في أوكرانيا، الأقرب إلى التوازن، وإن كان يميل إلى التعاطف مع روسيا.

الرئيس الأمريكي يخشى أن يعود الرئيس الصيني قوياً بما فيه الكفاية بعد انتهاء أعمال مؤتمر الحزب، بما يجعله أكثر تحرراً في قراراته، ومن ثم يحسم أمره بالنسبة للصراع مع أمريكا، بحيث يضع هذا الصراع ضمن أولويات الصين لتحقيق الطموح الذي تأمله باكتساب المكانة العالمية كقوة عالمية عظمى، وإسقاط النظام العالمي أحادي القطبية الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة لصالح نظام آخر بديل أكثر توازناً وعدالة وديمقراطية.

يدرك الرئيس الأمريكي أنه في حال ميل الرئيس الصيني إلى هذا الخيار، فإنه سيكون أكثر اهتماماً بالتنسيق، إن لم يكن التحالف مع روسيا لتحقيق هذا الطموح، ومن ثم سيتجه إلى دعم روسيا في صراعها ضد التحالف الأمريكي – الأوروبي في أوكرانيا، ومنع هزيمة روسيا في هذه المواجهة، بل ربما يسعى إلى تمكين روسيا من كسب نجاحات مهمة تتم ترجمتها في شكل تسوية سياسية للأزمة الأوكرانية تحفظ كرامة وسيادة روسيا وتحقق لها مكاسب سياسية كانت تأملها بالتدخل العسكري في أوكرانيا.

فالسؤال الذي يشغل الرئيس الأمريكي، وكذلك الرئيس الروسي هو: أي موقف ستتخذه الصين بعد انتهاء أعمال مؤتمر حزبها الحاكم، وتبوؤ شي جين بينغ الزعامة المطلقة في الصين.

الإعلام الروسي لا يتردد في تكرار هذا السؤال على مسامع الشركاء الصينيين في رسالة تقول إن موقف الصين الراهن من الحرب الأوكرانية، لن يكون في مصلحة الأهداف الاستراتيجية العليا لها، وبالتحديد المنافسة الصينية على الزعامة العالمية. فالتردد الصيني في الدخول كطرف قوي وموازن في هذه الحرب يمكن أن يؤدي إلى انكسار روسيا وخروجها من المواجهة مع الولايات المتحدة، بعدها سيكون من الممكن للولايات المتحدة أن تخوض معركة كسر إرادات مع الصين لإخراجها هي الأخرى من المنافسة العالمية كي تتفرد بالزعامة والهيمنة على النظام العالمي.

وأبرز الدلائل على ذلك مركزية التمحور حول الصين «كمنافس» في الاستراتيجية الأمريكية للأمن القومي التي صدرت عن البيت الأبيض قبيل أيام قليلة من انعقاد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي الصيني كرسالة تحدٍ أمريكية مسبقة قبل انعقاد هذا المؤتمر.

فقد أكدت هذه الاستراتيجية الحرص الأمريكي على استمرار «التفرد» بالزعامة العالمية، ليس هذا فحسب، بل جاءت أيضاً مفعمة ب «الغطرسة» و«الاستعلاء» في رسائل للمنافسين وللحلفاء على حد سواء. أكدت ذلك عندما نصت على أن «حاجة العالم إلى القيادة الأمريكية كبيرة كما لم تكن في أي وقت مضى»، وأن الولايات المتحدة «تخوض منافسة استراتيجية كبيرة لتشكيل مستقبل النظام العالمي» وأنه «لا توجد دولة في وضع أفضل للنجاح في هذه المنافسة من الولايات المتحدة» وأنه «لا توجد دولة في وضع أفضل للقيادة بقوة من الولايات المتحدة، التي ستقود العالم بقيمها».

لم تكتف هذه الاستراتيجية بذلك، بل تحدثت أيضاً وبوضوح على هدف استراتيجي له أولوية كبيرة وهو «تنشيط التحالفات والشراكات الأمريكية في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادي لمواجهة التحديات المشتركة. وتحدثت الاستراتيجية هذه، بهذا الخصوص، عن الصين باعتبارها تمثل «التحدي الأكبر والأكثر خطورة» لسبب رئيسي هو أنها «تمتلك النية، وبشكل متزايد، لإعادة تشكيل النظام العالمي لصالح نظام يميل إلى صالحها». كما تحدثت عن روسيا باعتبارها «تزعزع السلام في أوروبا، وتؤثر في الاستقرار العالمي، وتهدد باستخدام أسلحة نووية».

تركيز الإعلام الروسي على رسائل هذه الاستراتيجية تعرفه الصين جيداً، وسيكون على الزعيم الصيني أن يحسم خياراته بين موسكو وواشنطن: هل سينحاز إلى موسكو ويفعِّل التحالف معها للتمكن من تأسيس نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، أم سيهادن واشنطن طموحاً في كسب الوقت لاستكمال بناء القدرات الاقتصادية والعسكرية للصين كي ينافس بقوة على الزعامة في الوقت المناسب؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/24u5y3f3

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"