الاقتراب من الحرب النووية

00:20 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد خليفة

إن للأحداث ديناميكيتها، وهي عندما تنطلق من عقالها يصبح حتى مطلقها أسيرها، ويفقد السيطرة عليها، إن تحديداً لمسارها، وإن كبحاً لجماحها، وإن إيقافاً لانطلاقها. فكثيراً ما يجرف التاريخ بتياره الإنسان في اتجاه لم يكن يقصده.

من المعروف أن عوامل الخير والشر مجتمعة في الإنسان، فإذا غلبت عوامل الشر على عوامل الخير نزع الإنسان إلى البهيمية والوحشية الكامنة في الضواري، وإذا غلبت عوامل الخير على عوامل الشر كان العكس.

ومع تنامي نوازع الشر تمكّن الإنسان من صنع السلاح النووي ليحمي نفسه والآخرين من الأشرار، ومن هنا كان السلاح النووي سلاحاً ذا حدين يُستخدم في أغراض سلمية كثيرة فيفيد البشرية، وله وجه آخر فتاك يُهلك ملايين في ثوانٍ معدودة، إضافة إلى تدمير البيئة براً وبحراً وجواً. وما تجربة «هيروشيما وناجازاكي» في الحرب العالمية الثانية عنا ببعيدة، فقد كشفت أن السلاح النووي ليس مجرد سلاح لقتل البشر؛ بل هو سلاح إبادة جماعية للطبيعة بكل ما فيها.

ورغم هذه المأساة، إلا أن شهية الدول لم تتوقف في محاولة امتلاك ذلك السلاح أو السعي لامتلاكه، وقد سعت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن أن تحتكر امتلاك هذا السلاح وحدها، حيث حللت لنفسها امتلاكه بحجة أنها قوى عالمية كبرى، وأنها لن تستخدم ذلك السلاح إلا للضرورة، غير أن الأمر لم يبق هكذا، فقد ظهرت قوى نووية أخرى مثل: الهند وباكستان وإسرائيل.

ومع انفجار الحرب في أوروبا من جديد بعد أكثر من سبعين سنة على انتهاء الحرب العالمية الثانية، بات العالم أكثر اقتراباً من وقوع الحرب النووية المدمرة، ويتعزز هذا التوجه مع إصرار الأطراف المتخاصمة على التلويح بالسلاح النووي. وكانت روسيا، منذ بدء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، قد وضعت ثالوثها النووي «البحري والبري والفضائي»، في حالة تأهب للرد على أي استفزاز من قبل الخصوم. وأعلن حلف الناتو أنه لن يتدخل بشكل مباشر في الصراع منعاً لوقوع حرب نووية مع روسيا، لكنه دأب على تقديم مختلف أنواع الأسلحة لأوكرانيا من أجل تقويتها ومنع سقوطها، ومع تصاعد تلك الحرب وزيادة خطورتها تتسارع خطى الناتو للدخول فيها، وفي هذا الخصوص انطلقت مناورات «Steadfast Noon»، الشهر الماضي، بمشاركة أربع عشرة دولة من دول حلف الناتو، وما يصل إلى 60 طائرة من مختلف الأنواع، بما في ذلك الطائرات المقاتلة من الجيلين الرابع والخامس، بالإضافة إلى طائرات المراقبة وطائرات الصهريج. وشاركت القاذفات بعيدة المدى الأمريكية B-52، في هذه المناورات، وقد تمت المناورات فوق بلجيكا وكذلك فوق بحر الشمال والمملكة المتحدة.

إن الناتو الذي جعل نفسه طرفاً في الحرب المندلعة في أوكرانيا، يريد أن يبين لروسيا أنه مستعد للحرب النووية في أية لحظة. وأنه لن يتوانى عن استخدام ما لديه من أسلحة ذرية لإبادة الخصم. وكانت قمة مدريد الأطلسية التي انعقدت في يونيو(حزيران) الماضي قد تبنت ما يسمى، المفهوم الاستراتيجي الجديد للردع، وجاء في البيان الختامي أن «الهدف الأساسي لقدرة الناتو النووية هو الحفاظ على السلام ومنع الإكراه وردع العدوان». وأنه «ما دامت الأسلحة النووية موجودة، سيظل الناتو تحالفاً نووياً».

في الحقيقة، ومن خلال ما يظهر من مواقف للدول المتصارعة، فإن فرضية استخدام السلاح النووي قائمة بالفعل، ما لم تحدث أمور أخرى تقلب المشهد الدولي رأساً على عقب، كما حدث من قبل في الاتحاد السوفييتي السابق، دون حرب، كأن يحدث انهيار اقتصادي في دولة عظمى، وهذا سيفسح المجال لعودة العالم إلى الاستقرار، فرغم أن تعدد القوى الدولية العظمى وتنافسها على الهيمنة على القرار العالمي، يُسهم في تحقيق الاستقرار الدولي، إلا أنه أيضاً عامل لتفجير العالم في كل لحظة، خاصة عندما تستشعر إحدى الدول النووية أنها مهددة في بقائها.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/ys4wphbc

عن الكاتب

إعلامي وكاتب إماراتي، يشغل منصب المستشار الإعلامي لنائب رئيس مجلس الوزراء في الإمارات. نشر عدداً من المؤلفات في القصة والرواية والتاريخ. وكان عضو اللجنة الدائمة للإعلام العربي في جامعة الدول العربية، وعضو المجموعة العربية والشرق أوسطية لعلوم الفضاء في الولايات المتحدة الأمريكية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"