الدستور بانتظار النقطة الختامية

00:16 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. نسيم الخوري

«سيأتي يوم قد يطردنا فيه المسلمون من لبنان لأننا ما زلنا نعتبر أنفسنا كمسيحيين قيّمون على شؤونهم». كلام كبير أسرّه لي الياس الهراوي الرئيس الثاني لجمهورية الطائف في 9 شباط (فبراير)1990 بعد اغتيال سلفه رينيه معوض. نسمع منه اليوم بانتهاء ولاية الرئيس ميشال عون مغادراً قصر بعبدا غداً في وطنٍ محاصر بين «فخامة ودولة»الفراغين الدستوريبن وتفاقم المهازل الانتخابية البرلمانية التي تجاوزت الواقع الهش إلى اهتزاز جذور السلم اللبناني.

اللبنانيون في وطن مخطوف وكأنّ دستورهم كتاب مفتوح متخالط المواقف والفصول. يُذكرني الكتاب بمدونات تاريخٍية صارعمرها 33 سنة هي خلاصة لقاءات مع الرئيس حسين الحسيني الرئيس السابق للبرلمان في لبنان، في عين التينة، اختصرها بأربعة فصول مع رجلٍ رعى خمائر الطائف، وكان شديد التفاؤل بالأوضاع الأمنية في عام 1989 مع أنه ترك العاصمة بيروت إلى بعلبك لاشتداد القصف المتنوع على ما كان يُعرف ببيروت الغربية يليها الجبل والبقاع:

الفصل الأول: قدّم النائب خاتشيك بابكيان (1922- 1999) في ال1977 اقتراحاً رفضه الحسيني من الباب. يقضي الاقتراح بتأسيس مجلس رئاسي طائفي يرأسه مسيحي ماروني ويكون له 6 بصفة نواب يمثّلون كل الطوائف. مهّد بابكيان وكان حليفاً ل«حزب الطاشناق» الأرمني باقتراح مهمة الاهتمام بشؤون الاغتراب اللبناني نفسه لأنّه كان منزعجاً من عرض أسرّ به الجنرال عون لزوّار أرمن قوامه استلام الجيش وتحرير الأرض والانتقال من المناطق المحررة إلى استعادة المناطق الاستراتيجية وإعادة المهجرين.

انخرط بابكيان بالنتيجة ليلعب دوراً بارزاً في توصلنا لوثيقة الوفاق، سواء قبل انتقال النواب إلى الطائف لإجراء مناقشاتهم، أو اثناءها أو بعدها ليصبح عضواً في كتلة الرئيس رفيق الحريري النيابية. كان مثلاً عضواً في اللجنة النيابية التي شكلها البطريرك الماروني نصرالله صفير عام 1989، لمناقشة ورقة عمل تمهيدية للاصلاحات السياسية أعدها مع حسين الحسيني آنذاك، قبل انعقاد الجلسة البرلمانية. وكان في الطائف عضواً في اللجنة النيابية المصغرة التي شكلها الحسيني برئاسته لمناقشة «ورقة العمل التجريبية» أي مسودة الوفاق الوطني التي ضمت 17 نائباً، وأسماها الحسيني «فريق العتالة» ومعظمهم كانوا من المسيحيين مثل جورج سعادة وإدمون رزق والبير منصور وبطرس حرب وبابكيان تولوا جوجلة المسائل المختلف حولها وصياغة نصوصها ما قبل النهائية. تابع الحسيني أن بابكيان كان له مساهمات كبيرة في هذه اللجنة وفي اللقاءات التي كانت تتم بعد كل اجتماع توصلاً إلى وثيقة الطائف.

الفصل الثاني: قدّم الأباتي بولس النعمان وثيقة للحسيني تعود إلى حزيران/يونيو 1977، يرفض فيها التقسيم واللامركزية وحتى الفيدرالية، ويدعوه فيها إلى التعاون تحضيراً لمؤتمر وطني عالمي يكون مركزه بيروت تمهيداً للخروج من الحروب. أفصح الحسيني أنّ الأباتي عرض عليه ببساطة وصراحة قائلاً إنّ «إسرائيل لا تُريد من لبنان سوى القليل من الماء والقليل من الأرض» فأجابه الحسيني ممازحاً: «طمأنتني».

الفصل الثالث: استهلكت ورقة الطائف نصوصاً وأفكار وندوات واجتماعات من ال1977 حتى ال1989، قام الحسيني خلالها بلقاءات طويلة مع المرجعيات الدينية كلّها في لبنان قبل لقائه الجوهري مع البطريرك مار نصرالله بطرس صفير

(1920- 2019) طارحاً عليهم فكرة واحدة هي «إلغاء الطائفية السياسية». كانت النتيجة أنّ سماحة الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1936-2001 ) رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وسماحة مفتي الجمهورية اللبنانية محمد رشيد قبّاني رحّبا بالفكرة أشدّ ترحيب موافقين على إلغائها كليّاً. أمّا شيخ عقل الموحدين الدروز فقد قال له: «بصراحة جاءني كمال جنبلاط يوماً» مناوراً «في موضوع إلغاء الطائفية السياسية، أجبته على سبيل المناورة بدوري: أنا معك، لكنني أقول لك بخلاصتها أنني لست أُحبذ إلغاء الطائفية السياسية».

الفصل الرابع: يعتبر الرئيس الحسيني بأن الطائف هو نتيجة جهود طويلة محلية وعربية وإقليمية وحتّى دولية وكأنه مشروعه الخاص حريص عليه ولا يريد إجهاضه. يقول: جاءت أبريل غلاسبي سفيرة الولايات المتحدة في العراق سابقاً، طلبت ورقة العمل الخاصة بما يُحضّر لقصر المؤتمرات بالطائف. أعطيتها خطاباً. قالت هذه«ورقة عناوين». أجاب «نعطيك مجموعة وثائق تتضمّن الكثير من العناوين. أمّا ورقة العمل الأساسية فقد حصلت بالتنسيق بينه وبين البطريرك صفير لم نوزعها على النواب بل قرأها لهم أدمون رزق».

لم ولن تُقفل هذه الفصول/ الجروح بل سيبقى الكتاب مفتوحاً بحثاً عن النقطة الختامية.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwwpnh2f

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم الإنسانية، ودكتوراه في الإعلام السياسي ( جامعة السوربون) .. أستاذ العلوم السياسية والإعلامية في المعهد العالي للدكتوراه في الجامعة اللبنانية ومدير سابق لكلية الإعلام فيها.. له 27 مؤلفاً وعشرات الدراسات والمحاضرات..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"