ما بين الصين والولايات المتحدة

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين
افتتاحية الخليج

مع اشتداد الصراع بين الصين والولايات المتحدة على قمة النظام العالمي، واحتمال تحول المنافسة السياسية والاقتصادية والتكنولوجية إلى مواجهة عسكرية محتملة؛ من جرّاء رفض الإدارات الأمريكية المتعاقبة، مبدأ المنافسة الشريفة، والاعتماد المتزايد على القوة، سبيلاً وحيداً، من خلال العقوبات الاقتصادية، والحصار بالأحلاف العسكرية، وإثارة الأزمات بالمناورات العسكرية في بحر الصين الجنوبي والمحيط الهادئ، والكشف عن نوايا التخلي عن مبدأ الصين الواحدة الذي كان الأساس لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين بكين وواشنطن في مطلع سبعينات القرن الماضي، بالإعلان عن الدفاع عن تايوان في حال قررت الصين استعادتها إلى الوطن الأم. لكل ذلك فإن آفاق الصراع، تتجه نحو مزيد من التأزم خصوصاً مع إصرار الصين على استعادة الجزيرة، وهو ما أكده الزعيم الصيني شي جين بينغ في مؤتمر الحزب الشيوعي الأخير، وإعلانه «إجراء إصلاحات جريئة، للدفاع الوطني والقوات المسلحة، وإعادة هيكلة القيادة العسكرية وأنظمة القيادة ونظام القوات المسلحة الحديث، ونظام السياسة العسكرية»؛ وذلك استكمالاً لقرار الحزب «المعارضة الحازمة للانفصاليين الذين يسعون إلى الحصول على استقلال تايوان، وردعهم»، في إشارة واضحة للموقف الصيني من المساعي الأمريكية، للدفاع عن تايوان، لتحريضها على الاستقلال.

لكن أدوات إدارة الصراع بين الصين والولايات المتحدة تختلف بشكل جذري؛ إذ إن الصين تستخدم الصبر والانتظار، وعدم الاستعجال بانتظار استكمال برنامجها الاقتصادي والعسكري، وتحاول الالتفاف على محاولات حصارها واستفزازها، بخطوات مدروسة من دون الوصول إلى مرحلة المواجهة المباشرة، وتستخدم في ذلك دبلوماسيتها الناعمة في علاقاتها الخارجية التي نجحت فيها إلى حد كبير مع مختلف دول العالم، ومبادراتها الاقتصادية والإنمائية الواسعة؛ مثل «الحزام والطريق»، و«بنك التنمية الآسيوي»، مستندة في ذلك إلى حضارة عميقة، هي الأقدم في العالم، وإلى إرث خالٍ من الاستعمار والحروب، وإلى انتهاج سياسة الحياد في علاقاتها الدولية.

ومع تكريس زعامة الرئيس الحالي شي كقائد تاريخي خلفاً للمؤسس ماو تسي تونغ، فإن الصين عازمة على المضي قدماً في إصلاحاتها الاقتصادية والسياسية، وفي معركة المنافسة، لقيام نظام عالمي جديد؛ وذلك في مواجهة الولايات المتحدة التي تستند فقط إلى تاريخ يعود إلى 250 عاماً، وإلى قوة مفرطة، لجأت خلالها إلى شن أكثر من 90 حرباً، بداية من غزو نيكاراغوا عام 1833، مروراً باحتلال كوبا عام 1917 ثم غزوها عام 1961، وصولاً إلى الحرب الفيتنامية، وغزو بنما، وغزو أفغانستان، ثم العراق. مع ملاحظة أن كل حروب الولايات المتحدة في القرن العشرين انتهت بالفشل، من دون أن تحقق أهدافها في استمرار الهيمنة؛ بل على العكس هي تفقد معظم مواقعها القديمة والجديدة من جرّاء سياسات تقوم على دبلوماسية البوارج، والتلويح بالعصا والعقوبات، وهي أساليب تُواجه بالرفض من جانب الأصدقاء والحلفاء.

.. لكل ذلك سوف تخسر الولايات المتحدة المواجهة مع الصين.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/4kpus849

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"