عادي
القراءة تتراجع أمام الصورة

«السوشيال ميديا» تؤسس لمجتمع الفرجة

23:15 مساء
قراءة 3 دقائق

القاهرة: الخليج

في كتابه الصادر حديثاً عن دار «ميتافورا للنشر والترجمة» وعنوانه «على عينك يا تاجر.. سوق الأدب العربي في الخارج » يؤكد عماد فؤاد أن أجيالاً جديدة من القرّاء والكُتّاب، ولدت ونشأت في ظل هيمنة ثقافة الديجتال، فالجيل الراهن مؤمن بوسائط أخرى أسرع وأكثر تشويقاً في الوصول إلى المعلومة، ثقافة كاملة تسيطر عليها قوّة جبارة قوامها الصورة والفيديو والوسيط السمعي.

يستعيد عماد فؤاد مصطلح «مُجتمع الفرجة» الذي أطلقه الفيلسوف الفرنسي جي دوبور عام 1967، محاولاً تفكيك مجمل الأشكال الاجتماعية والمجتمعية الجديدة، بعد طغيان ثقافة الصناعة التلفزيونية للصورة ومفرداتها، من إعلان وترويج وتسليع، لم يعد للقراءة معنى في هذا المجتمع القائم أساساً على تسيّد عامل «الوفرة» أو «النسخ المتعدد» ما عمل على انحسار مستويات القراءة الجادة تحت هيمنة ثقافة السرعة والخفة التي تطرحها الثورة التكنولوجية الجديدة في مجالات الاتصالات.

تلقف القرّاء الباحثون عن الخفة هذه الكتابات، بوصفها معبرة عنهم كجيل جديد، لكنها «موضة» سرعان ما انحسرت، لتأتي موضات جديدة، تنطفئ قبل أن تبرق، استجابة لقانون السوشيال ميديا ذاته، القائم أساساً على صناعة المزيد من الموضات التي تظهر لأجل أن تختفي.

هنا لعبت «السوشيال ميديا» الدور المنوط بها في تحويل كل شيء إلى سلعة، كلّ قيمة أخلاقية أو إنسانية أُفرغت من معناها، وبدأ يُنظر إليها في مجتمع الصورة بوصفها «وسيلة» ولم يكن عالم الأدب والثقافة والفكر ببعيد عن هذا التّأثّر الكبير برياح ثقافة الديجتال، فبدأنا نرى تقاليع جديدة ترتبط بعالم الثّقافة لم يكن لها أي وجود من قبل، منها مثلاً أن نجاح الكتب صار رهناً بوصولها إلى قوائم البيست سيللر!

على هذا الأساس شاعت كثيراً مفردة «المديوكر» تلك الكلمة سيئة السمعة، ف«المديوكر» فقير الموهبة، لم يقف صامتاً حيال فقر موهبته؛ بل عمل على إيجاد مكانة لها وسط مواهب الآخرين، بإصرار يحسد عليه.

يتوقف عماد فؤاد أمام كتاب «المثقفون المُزيَّفون النصر الإعلامي لخبراء الكذب» للباحث الفرنسي باسكال بونيفاس الذي أثار ضجة في أوروبا؛ حيث يفتتح معركته بمقدمة جاء فيها: «يذهلني كل أولئك الخبراء الذين لا يتورعون عن اللجوء إلى حجج مخادعة، وعن إطلاق الأكاذيب، من أجل حصد التأييد، تبدو وقاحتهم وانعدام ذمتهم بلا حد، وتشكل ورقة رابحة، وبدلاً من مقابلتهم بالاستهجان العام، يُقابلون بمزيد من التهليل، انعدام الضمير ليس أمراً بلا مزايا، ويبدو خالياً من المخاطرة».

بهذه الصورة، وعلى هذا النحو الجريء، يعري باسكال بونيفاس على صفحات كتابه (الذي امتنعت 14 دار نشر فرنسيّة عن طباعته) العديد من المثقفين البارزين في المشهد الإعلامي والثقافي الفرنسي، ممن تحولوا إلى «مديوكرز» مهمتهم الأساسيّة هي التزوير والتّزييف والمغالطة، وعلى رأسهم برنار هنري ليفي الذي لا يزال الإعلام الفرنسي يقدّمه بوصفه فيلسوف القرن، فيما هو بحسب بونيفاس «سيد المغالطين والمزيفين».

بهذا المعنى؛ فإن المديوكر هو أكثر أعداء التغيير، يدرك أنه ليس موهوباً، لكنه يستعيض عن قلة الموهبة هذه بالاجتهاد المستمر، فيما تتكون في ذهنه يوماً بعد يوم هالة كبيرة عن ذاته وعما يقدمه من «ضحالة» ومن ثم يكون من الصعب على أي كان أن يقنعه بغير ما يظنه عن نفسه، ستجده يعادي كل من يخالفه الرأي أو ينتقد عمله بشكل مباشر، فيما يكون الموهوب دائم الشك في موهبته.

معايير

دائماً نتحدث عن سوق الترجمة من الأدب العربي إلى اللغات الأخرى، وأن معايير لا علاقة لها بالقيمة الأدبية، تحكم عملية الاختيار، حتى عن الكتابة الفولكلورية باتت هي الوصفة السائدة لأغلب الأعمال المترجمة، بمعنى أن الكتابة التي تحولنا إلى كائنات منقرضة في متحف تاريخي مغلق، هي التي يريد الغرب أن يشيعها عنا من خلال الأب.

في كتابه يقدم لنا عماد فؤاد حواراً مع ناشرة ألمانية هي ساندرا هتزول، وهي مترجمة من مواليد 1980 أطلقت مؤسسة ودار نشر تحت شعار: «ملتزمون بنشر أدب جريء على القيود والقوالب ويتناول مواضيع معاصرة الأهمية بالعربية، ومنها إلى لغات أخرى، عن طريق وكالة أدبية ومقابلات ومنشورات وأشياء جميلة أخرى».

تعرف هتزول أن كلاماً قيل عن تشويه صورة الأدب العربي في الخارج، وأن هذا التشويه يفترض أنه مبني على سوء تقدير منها، أساسه عنصري، وقيل إن هناك أعمالاً ليست بأدب أصلاً، وأنها لأسماء لا يعرفها أحد في الوطن العربي.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/bdz69b6n

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"