نصف قرن على العلاقات المصرية ــ الإماراتية

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. مصطفى الفقي

أتذكر جيداً البدايات الأولى لقيام اتحاد دولة الإمارات، فقد كان زميل دراستي الذي اعتز بصداقته حتى الآن الأستاذ أحمد خليفة السويدي الذي شغل منصب رئيس الديوان الأميري للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فور توليه الحكم في أبوظبي ثم أصبح أول وزير خارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وقد نجح الشيخ زايد بحكمته ورؤيته في جمع شمل الإمارات المتصالحة - كما كانت تُسمى – في دولة واحدة، عاصمتها أبوظبي، وتضم إمارات دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين والفجيرة ورأس الخيمة، وتطورت تلك الدولة بسرعة مشهودة، ودخلت مرحلة الاندماج الحقيقي، والوحدة السياسية والاقتصادية والثقافية.
شاركت دولة الإمارات العربية المتحدة في العمل العربي المشترك بفاعلية وجدية، كما وقف الشيخ زايد الذي لقبه الجميع ب«حكيم العرب» إلى جانب أشقائه في الدول العربية كافة، كلما تعرضت إحداها لمحنة أو واجهت ظرفاً صعباً، فقد كان، طيب الله ثراه، صديقاً عزيزاً لمصر، وقف إلى جانبها في الظروف والتحديات كافة. ولم يبخل الشيخ زايد ولا دولته على الجهد العسكري العربي بالدعم المالي، والمؤازرة السياسية والإقليمية في جميع الأوقات، وكنت ألتقي بزميل دراستي الأستاذ أحمد خليفة السويدي في زياراته إلى العاصمة البريطانية طوال السنوات التي عشتها هناك، وأسمع منه الكثير عن إنجازات الدولة التي لم يتجاوز عمرها وقتذاك سنوات قليلة، وكيف اختار لها الشيخ زايد، رحمه الله، سياسة متوازنة عروبية الاتجاه، قومية الانتماء، خليجية الولاء.
 ووقفت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى جانب مصر في معركتي التحرير والإعمار، واعترف المصريون دائماً بدعم الإمارات المادي والمعنوي في ظل أقسى الظروف حتى إن تمثال الشيخ زايد الماثل في مدخل المدينة التي تحمل اسمه في ضواحي القاهرة، قد جرى تشييده والإنفاق عليه من أموال المجتمع المدني، وتبرعات الأفراد والهيئات، اعترافاً بفضله، وتخليداً لمكانته. وعندما قامت الحرب العراقية الإيرانية ثم حرب الخليج الأولى لتحرير دولة الكويت، كان موقف دولة الإمارات متجاوباً مع الرؤية العربية الشاملة، والفهم المشترك لمعنى الأمن القومي، وكان للشيخ زايد اقتراحات بناءة سواء في الحرب العربية الإيرانية أو في طريق الخروج من النفق المظلم الذي دخلت فيه المنطقة، غداة احتلال قوات صدام حسين لدولة الجوار الكويت بمكانتها التاريخية، وقيمتها الجغرافية، ودورها السياسي في رعاية القضية الفلسطينية.
 وأتذكر، الآن، العلاقة الممتدة بين طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من دفعات الستينات من القرن الماضي، وزميلهم صاحب العقلية المتفتحة والفكر الرصين أحمد خليفة السويدي الذي كان طالباً في مصر في سنوات الحلم القومي، والسعي نحو الوحدة العربية، ومواجهة مؤامرات الاستعمار القديم والجديد، وكان يسكن في البناية رقم (7) بشارع الدقي مع مجموعة من أبناء دولته، حاز معظمهم بعد ذلك مواقع قيادية في إدارة الدولة الجديدة.
 لقد نجحت سياسة الشيخ زايد في فرض وجودها على الساحة العربية، فقد كان من أكثر الساعين لعودة مصر إلى مكانتها العربية، ومن أكثر المحاولين لتغيير سياسة العراق في ظل حكم صدام حتى يظل ذلك البلد العربي الكبير، حارساً للبوابة الشرقية لأمته العربية، وقدم في ذلك مقترحات لم تنل الاهتمام الكافي، بسبب سياسة الرئيس العراقي الذي كان يتسم بالعناد، ولا يعرف معنى المرونة السياسية.
 لن أختم مقالي من دون أن أقول: إنني أعتز كثيراً – مثل كل زملائي – بوجود الأشقاء من جيلنا الذين تعلموا في القاهرة، وفي مقدمتهم الوزير المحترم والمثقف العربي أحمد خليفة السويدي في وقت كان فيه صاحب السموّ الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، ينشر الضياء ثقافة وفكراً ودعماً لمصر وغيرها من الدول العربية، إيماناً بالرسالة التي حملها أولئك الشباب الذين درسوا في مصر، وارتبطوا بها، وأحبوا شعبها، ولا زالوا يتواصلون معها بالمودة حتى اليوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2y6dj37y

عن الكاتب

دبلوماسي وباحث وأديب ومفكر ومؤرخ وكاتب، يمتلك خبرة واسعة في المجالات السياسية والثقافية ألَّف 36 كتابًا تسلط الضوء على بعض القضايا مثل الإصلاح السياسي والفكري القضاء على كل أشكال التمييز ضد الأقليات، والوحدة العربية والتضامن

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"