فرصة مكافحة تغيّر المناخ

00:57 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

تؤكد التحذيرات القوية التي تضمنتها تقارير خبراء المناخ في الأمم المتحدة، وغيرها، الصادرة قبل مؤتمر المناخ في شرم الشيخ، بمصر، أن العالم مطالب بزيادة الاستثمارات في الطاقة النظيفة بكثافة لوقف التغيرات المناخية الضارّة قبل فوات الأوان.

ولأن مؤتمر «كوب 26» الذي استضافته بريطانيا في غلاسكو، العام الماضي، لم يتوصل إلى تعهدات جديدة مهمة من قبل دول العالم الأكثر تلويثاً للغلاف الجوي، فالمفاوضات في «كوب 27» أصعب، وأهم. وربما تستمر حتى «كوب 28» الذي تستضيفه الإمارات العام المقبل 2023. إذ كان مؤتمر غلاسكو، المؤجل من 2020 الموعد المحدد في اتفاقية باريس للمناخ عام 2015 كي تجدد أكثر من 195 دولة التزاماتها بخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري كي يبقي العالم ارتفاع درجة حرارة الأرض عند سقف لا يزيد على 1.5 درجة مئوية.

وحسب تقارير الأمم المتحدة، لم تعلن سوى 24 دولة عن تحديث تعهداتها بعد خمس سنوات من اتفاقية باريس، من بين نحو مئتي دولة وقعت على الاتفاقية. في الوقت نفسه، تجاهلت الدول الصناعية الكبرى أهداف مكافحة التغيّر المناخي في ظل أزمات اقتصادية منذ بداية العام الماضي، زادت من حدتها الحرب في أوكرانيا. ومع ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الفائدة في ظل أزمة طاقة وغذاء عالمية، عادت دول متقدمة، مثل ألمانيا وبريطانيا، إلى الولايات المتحدة لاستخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم، رغم أن انبعاثات الكربون منه أعلى بكثير من محطات تعمل النفط والغاز.

وهكذا، تزداد انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من ثاني أوكسيد الكربون، والميثان، وغيرهما، بدلاً من أن تنخفض. ويحتاج العالم لخفض تلك الانبعاثات بنسبة كبيرة إذا كان له أن يصل إلى هدف تقليل تلك الانبعاثات حتى تصل إلى الصفر في منتصف هذا القرن. وإن كان صفر كربون لن يمنع زيادة درجة حرارة كوكب الأرض، لكنه سيبقي معدل الارتفاع في حدود درجة ونصف مئوية المتفق عليها. وأعلى منها يشكل خطورة للحياة على الكوكب، ليس للبشر فقط، بل لكل الكائنات الحية، من حيوان ونبات.

ولأن أغلب الانبعاثات تأتي من استخدام مصادر الطاقة الأحفورية (نفط، غاز، فحم) فليس أمام العالم سوى الاستثمار أكثر في مصادر الطاقة النظيفة، أو الخضراء، أي قليلة، أو منعدمة الانبعاثات الكربونية، مثل الطاقة الشمسية والطاقة من الرياح، وحتى الطاقة النووية. ويتوقع أحدث تقرير لوكالة الطاقة الدولية أن ترتفع الاستثمارات في مصادر الطاقة النظيفة من أقل من أربعمئة مليار دولار سنوياً إلى تريليون ونصف التريليون دولار سنوياً بحلول عام 2030.

ومن السبل التي زاد إلقاء الضوء عليها مؤخراً، كطاقة بديلة تسهم في خفض الانبعاثات، وبالتالي تعد أداة قوية في مكافحة التغيرات المناخية استخدام الهيدروجين كمصدر للطاقة. والهيدروجين موجود بوفرة في الطبيعة، لكنه دائما مرتبط بعناصر أخرى كما مع الأوكسجين في الماء، ومع الكربون في الميثان. ويتم استخلاص غاز الهيدروجين بتكثير تلك المواد، ثم ضغط الهيدروجين إلى سائل.

وإذا كانت منطقة الشرق الأوسط، خاصة منطقة الخليج، احتلت مكانة مركزية في عقود هيمنة مصادر الطاقة الأحفورية على سوق الطاقة العالمية فإن أمامها فرصة لتحتل مكانة مماثلة في التحول إلى مصادر الطاقة المتجددة. ومن أدوات الاستفادة من فرصة مكافحة التغير المناخي زيادة الاستثمار في إنتاج الهيدروجين الأخضر.

وقبل أيام وصلت إلى ألمانيا الشحنة الأولى من الهيدروجين الأخضر من أبوظبي، ضمن اتفاقيات شراكة طويلة الأجل لإمداد أوروبا بمصدر طاقة نظيف من الإمارات. صحيح أن كلفة إنتاج الهيدروجين الأخضر ما زالت عالية، لكن التطورات التكنولوجية المتسارعة ستجعل تلك الكلفة تنخفض بشدة في سنوات قليلة. ومن يبدأ مبكراً سيكون الأكثر استفادة بحلول نهاية العقد الجاري.

ومنطقتنا غنية بمصادر الكهرباء النظيفة، من الطاقة الشمسية والرياح وحتى الطاقة النووية التي بدأت الإمارات تطويرها، تليها السعودية ومصر. لذا من الطبيعي أن تتطلع الإمارات لأن يكون نصيبها من سوق الهيدروجين الأخضر العالمي نحو الربع. ويقدر أن يصل حجم هذا السوق قريباً إلى نحو نصف تريليون دولار.

وإذا أضفنا قدرات السعودية ومصر التي بدأت تطويرها لإنتاج الهيدروجين الأخضر، يمكن لمنطقتنا أن يكون نصيبها من سوق الطاقة النظيفة المتجددة في العقد القادم حتى أكبر من نصيبها الحالي من سوق الطاقة من مصادر أحفورية، كالنفط والغاز.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2tf67bx8

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"