المناهج الاستباقية

00:22 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

التغيير سمة المجتمعات، بغض النظر إن كان إيجابياً أو سلبياً، فالمسألة نسبية وتعتمد على عقلية من يحكم على التغيير أو يصنّفه، وغالباً ما يتعلق الأمر بالأفكار والمبادئ والمعتقدات والقيم. ولم يتفق الناس، كل الناس، في أي عصر وفي أي مجتمع، على تصنيف التغيير من حيث المضمون أو الشكل، أو من حيث صلاحيته للحاضر أو المستقبل، إذ دائماً هنالك معارضون ومؤيدون، لكن من غير المشكوك فيه والمتفق عليه، أن هنالك تغييراً كان يحدث في كل حقبة وعصر، وتختلف وتيرته وزخمه ونجاحه وفشله.

ويقود هذا التغيير المفكرون والمثقفون وقادة المجتمع في زمن السلم والاستقرار، ويستغرق وقتاً بسبب ارتباطه بتغيير القناعات والبديهيات وتجاوز بعض العادات والتقاليد والأعراف، أما التغيير الذي يحدث في فترة زمنية سريعة فتشهده المجتمعات التي تتعرض لتغييرات جذرية في نوع الحكم والتحول الثقافي، وهو ما يُسمى بالثورات.

ولا ترتبط هذه التسمية بالثورات العسكرية أو السياسية دائماً، هنالك دول كثيرة شهدت ثورات ثقافية وزراعية واقتصادية وتكنولوجية، ونقلت المجتمعات من مرحلة إلى أخرى في وقت قياسي، ويحدث هذا التغيير غالباً في الدول التي تتخلص من الاستعمار وتحصل على استقلالها، خاصة إذا استمر الاستعمار لعشرات السنين مثل الاستعمار الفرنسي للجزائر، الدولة التي احتضنت القمة العربية الأسبوع الماضي، وهي الدولة التي شهدت ثورات زراعية وثقافية وصناعية بعد رحيل الاستعمار، سعياً لاستعادة هويتها ومن بينها اللغة. وقد حققت الجزائر إنجازات كبيرة في هذه الميادين، ويمكننا هنا القول إن التغيير كان إيجابياً واتفقت على مضمونه غالبية شرائح المجتمع.

لكن حديثنا هنا يتعلق بالمجتمعات الهادئة، إذا جاز لنا التعبير، التي تتعرض لتغييرات قلّما يلاحظها المراقب الاجتماعي لأنها تعلن عن نفسها على شكل حالات لا يتوقّف عندها مفكرو علم الاجتماع، وقد يستنفرون حين تتحول إلى ظواهر تتكرّر باستمرار وتنتشر في أكثر من بيئة.

منذ اكتساح ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال المجتمعات، وتحول العالم إلى قرية صغيرة، ثم تحوله إلى شاشة فضّية منتشرة في معظم البيوت، بدأ تغيير فعلي وجدّي يغزو المجتمعات، ونحن هنا لا نتحدث عن غزو ثقافي، فقد ناقشنا الغزو الثقافي في مقالة سابقة، لكننا نتحدث عن تغيير في أساليب الحياة، والنظر إلى بعض السلوكيات بعين القبول بعد أن كان النظر إليها يتم بعين الرفض القاطع، وهذا يقع ضمن صراع الأجيال، لأن التغيير الذي أحدثته ولا زالت، ثورة تكنولوجيا المعلومات والاتصال، يقوده جيل الشباب واليافعين، ليس بمعنى نشره بطرق ممنهجة، وإنما بتبنّي السلوك وما يحمله من ثقافة وعادات وتقاليد ومفاهيم، وقد ساعدت على نشره المناهج التعليمية والتربوية للمدارس الخاصة العالمية، التي غالباً ما توفر بيئة ثقافية تتماهى مع ما تفرزه ثورة تكنولوجيا المعلومات، وهنا حدث التصادم الحضاري بين الأجيال، جيل المراهقين وجيل الآباء، حيث اضطر أولياء الأمور لاستيعاب أبنائهم على مضض، وفي حالات قليلة بانسجام وتقبّل لا يخلو من الاستسلام لمشيئة الثقافة الجديدة، مع المراهنة على النضج اللاحق للمراهقين.

تؤدي المناهج التربوية دوراً رئيسياً ومفصلياً في التخفيف من حدة الصراع بين الأجيال والتخفيف من مستوى سوء التفاهم، إذا ما استطاعت رصد الحالات والظواهر بشكل مبكّر، ووضع مناهج تربوية استباقية لا سيما في علوم النمو الإنساني والبشري، والقيام بحملات تثقيفية لأولياء الأمور للتعامل الاستباقي أيضاً لتجنّب أي صدام ثقافي أو حضاري مع أبنائهم ذكوراً وإناثاً. ويتطلب هذا نوعاً من التفكير الموضوعي والمنطقي بشأن أمور حياتية كثيرة. بهذا يمكن تحقيق الانسجام الأسري والمجتمعي، والتقليل من حدة التغيير المتسارع الذي تشهده الحياة المعاصرة.

[email protected]

 

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3rhae6cj

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"