عادي
اجتماعات سرية عبر «تلغرام» لاستبدال عملة «تيثر»

اللبنانيون يقبلون على تعدين العملات المشفرة وسط أزمة خانقة

23:18 مساء
قراءة 6 دقائق

إعداد: خنساء الزبير

تغيرت النظرة للبيتكوين بدرجة كبيرة بحلول عام 2019 مع انزلاق البلاد في أزمة مالية نتجت عن عقود من الحروب، وقرارات الإنفاق السيئة؛ وأصبحت هذه العملة الرقمية اللامركزية التي لا حدود لها، ولا تخضع للمصرفيين والسياسيين، بمنزلة المنقذ مما تفرضه البنوك في الوقت الحالي على عمليات السحب، والملاذ لحصول المواطن على أبسط حقوقه، وهي شراء الاحتياجات المعيشية اليومية.

فالوضع لم يتغير بصورة ملموسة منذ عام 2019؛ حيث تضع البنوك سقفاً لعمليات السحب النقدي، وأصبحت الودائع سندات دين، وارتفعت نسبة الحسم القسري للدين.

وفي استطلاع لشبكة «سي إن بي سي» مع عدد من اللبنانيين، اتضح أن الكثير منهم يرون العملات الرقمية بأنها «طوق النجاة»، ويقوم البعض بتعدين الرموز الرقمية كمصدر وحيد للدخل إلى أن يجدوا الوظيفة المناسبة فيما يرتب آخرون اجتماعات سرية عبر «تلغرام» لاستبدال عملة «تيثر» المستقرة مقابل الدولار الأمريكي من أجل شراء البقالة.

تدهور النظام المصرفي

على الرغم من الحرب التي استمرت منذ السبعينات وحتى 1990، كانت المصارف اللبنانية وما زالت قادرة على منافسة المصارف الخارجية مثل تلك التي في سويسرا وجزر كايمان، كوجهة مثالية للأثرياء لإيداع أموالهم.

فقد كانت البنوك اللبنانية توفر درجة معينة من عدم الكشف عن هوية العميل، وتحدد أسعار فائدة مرضية على الدولار الأمريكي؛ وفي المقابل قامت الدولة بسحب العملات الأجنبية التي كانت في أمسّ الحاجة إليها، لإعادة ملء خزائنها عقب الحرب.

ولأن البنوك اللبنانية اتسمت أيضاً بحد أدنى للرصيد قليل للغاية، وميزات أخرى، وظل النظام المصرفي لفترة من الوقت يعمل بشكل جيد مع جميع العملاء، فإنها حصلت على تدفق نقدي كبير، وشاهد المودعون أرصدتهم وهي تنمو بسرعة، ودخلت الحكومة في فورة إنفاق غير منضبطة للأموال التي اقترضتها من البنوك.

وأدى هذا السراب من المال السهل بالحكومة للقيام بوضع بعض من تلك النقود المقترضة في اتجاه المحافظة على سعر صرف ثابت لتدفقات الودائع بربط العملة المقومة بأعلى من قيمتها الحقيقية.

وكانت البلاد قد قطعت أيضاً شوطاً كبيراً في تعزيز الميزانية العمومية للبنك المركزي «مصرف لبنان» من دعم السياحة والمساعدات الدولية إضافة إلى الاستثمار الأجنبي المباشر من بعض الدول الخليجية، وما يقوم به أبناء البلاد في دول المهجر من تحويلات مالية، تضخ الدولارات في شريان الاقتصاد؛ حيث أظهرت بيانات البنك الدولي أن هذه التحويلات كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي، بلغت ذروتها بأكثر من 26% في عام 2004، على الرغم من أنها ظلت مرتفعة خلال الأزمة المالية العالمية عام 2008.

وبدأت هذه المدفوعات في التراجع منذ عام 2010 بسبب الاضطرابات في المنطقة.

وفي غضون ذلك، وبينما بذلت الحكومة جهوداً كبيرة لإعادة البناء بعد الحرب الأهلية، انخفض عجز ميزانية الحكومة أكثر فأكثر،وتجاوزت وارداتها صادراتها كثيراً لسنوات عدة.

وفي محاولة لدرء الانهيار الاقتصادي الشامل في عام 2016 قرر رئيس البنك المركزي، رياض سلامة، طلب الحوافز البنكية؛ حيث حصل الأشخاص الراغبون في إيداع دولارات أمريكية على فائدة فلكية على أموالهم، والتي أثبتت أنها مقنعة؛ خاصة في وقت كانت فيه العائدات في أماكن أخرى من العالم مخيبة للآمال نسبياً.

وبعد ذلك من أودعوا دولارات أمريكية ثم قاموا بتحويلها إلى الليرة اللبنانية حصلوا على أعلى فائدة.

ثم أصبح عصر المال السهل على حافة الهاوية في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عندما اقترحت الحكومة موجة من الضرائب على كل شيء، من الغاز إلى التبغ إلى مكالمات ال«واتس أب» ما أثار سخطاً شعبياً، وتخلفت الحكومة عن سداد ديونها السيادية لأول مرة في أوائل عام 2020، وهو الوقت الذي تزامن فيه تفشي الجائحة في جميع أنحاء العالم، ويضاف لكل هذا انفجار مخزون من نترات الأمونيوم المخزنة في ميناء بيروت في أغسطس/ آب 2020 الذي كلف المدينة أضراراً بمليارات الدولارات إلى جانب مقتل العشرات.

كل هذه الفوضى، أدت إلى إفزاع النظام المصرفي، ما جعل البنوك تحدد سقف عمليات السحب في البداية ثم ما لبثت أن أغلقت أبوابها تماماً.

سقوط حر للعملة

في خضم تجذر التضخم المفرط، بدأت الليرة في الانخفاض بسرعة، وأصبح سعرها في السوق السوداء 40.000 مقابل الدولار، بعد أن ظل الدولار على مدى 25 عاماً مثبتاً عند 1500 ليرة لبنانية.

وبعد إعادة الفتح رفضت البنوك مواكبة هذا الانخفاض الشديد في قيمة العملة، وقدمت أسعار صرف أقل بكثير للدولار الأمريكي، مما كانت عليه في السوق السوداء، وأصبحت الأموال في البنك فجأة أقل من ذلك بكثير.

وفي الوقت ذاته، تقدم البنوك سعر الصرف المعروض في السوق للدولارات الأمريكية المودعة بعد عام 2019، وباتت تُعرف لدى العامة باسم «الدولارات الجديدة» (NEW DOLLAR). وبالنسبة للعديد من اللبنانيين كانت هذه هي النقطة التي لم يعد فيها المال منطقياً.

ووصف البنك الدولي الأزمة الاقتصادية والمالية في لبنان بأنها من بين أسوأ الأزمات التي يشهدها العالم منذ خمسينات القرن الماضي، وتقدر الأمم المتحدة أن 78% من اللبنانيين يقعون الآن تحت خط الفقر.

ويقدر محللو بنك «جولدمان ساكس» الخسائر في البنوك المحلية بنحو 65 مليار دولار إلى 70 مليار دولار؛ وهو رقم يعادل أربعة أضعاف الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وتتوقع وكالة «فيتش» أن يرتفع التضخم إلى 178% هذا العام، وهو أسوأ مما هو عليه في كل من فنزويلا وزيمبابوي، كما أن هناك رسائل متضاربة من كبار المسؤولين في الحكومة حول ما إذا كانت الدولة مفلسة رسمياً.

ويجري صندوق النقد الدولي محادثات مع لبنان، للقضاء على الفوضى بأكملها، ويدرس المقرض العالمي تمديد شريان الحياة بقيمة 3 مليارات دولار، لكن بالتأكيد مع الكثير من الشروط المرتبطة به.

التعدين لكسب المال

منذ أكثر من عامين بقليل بدأ أحمد أبو ضاهر وصديقه في تعدين «الإيثر» بثلاث آلات تعمل بالطاقة الكهرومائية في بلدة الزعرورية الواقعة على بعد 30 ميلاً جنوب بيروت في جبال الشوف.

وعندما رأى أبو ضاهر البالغ من العمر 22 عاماً أن مشروع التعدين الخاص به كان مربحاً، خاصة وأنه تغلب على الكُلفة العالية لكهرباء التعدين، قام هو وصديقه بتوسيع نطاق العمليات.

لقد مرت 26 شهراً منذ أن أنشأوا متجراً لأول مرة، ووصفوا العمل بأنه يزدهر؛ حيث حققوا أرباحاً قدرها 20 ألف دولار في سبتمبر/أيلول؛ نصفها من التعدين والنصف الآخر من بيع الآلات وتداول العملات المشفرة على الرغم من أن الحكومة تلاحق من يعملون في تعدين العملات المشفرة.

وتُظهر البيانات الحكومية الرسمية أن 3% فقط من الذين يكسبون لقمة العيش في لبنان يحصلون على رواتبهم بعملة أجنبية مثل الدولار الأمريكي؛ لذا فإن التعدين يوفر فرصة نادرة للحصول على دولارات جديدة.

التيثر مقابل الدولار

وعلى الرغم من أن جورجيو أبو جبرائيل، مواطن لبناني، كان ممن يعدون عملة البيتكوين ضرباً من الاحتيال فإنه الآن، وبحسب قوله، عندما يحتاج إلى نقود لدفع ثمن البقالة والأساسيات الأخرى عن طريق التعامل مع هذه العملة. يقول إنه يستخدم أولاً خدمة تسمى «فيكسد فلوت» لمبادلة البيتكوين التي حصل عليها من خلال عمله المستقل مقابل عملة تيثر (المعروفة أيضاً باسم يو اس دي تي)، وهي عملة مستقرة مرتبطة بالدولار الأمريكي.

بعد ذلك يذهب إلى إحدى مجموعتي «تلغرام» لترتيب تبادل التيثر مقابل الدولار الأمريكي.

وفي حين أن عملة التيثر لا تعطي نفس قيمة العملات المشفرة الأخرى إلا أنها تمثل شيئاً أكثر أهمية وهو أن اللبنانيين لا يزالون يثقون بها. وكل أسبوع يجد جبرائيل شخصاً على استعداد لإجراء المقايضة، ويقوم معه بترتيب اجتماع شخصي؛ ونظراً لأن الطرف الثاني في الأغلب هو شخص غريب عنه، يختار أن يتم اللقاء في مكان عام. وتراوح التبادلات عبر مجموعة تلغرام التي يستخدمها من 30 دولاراً إلى مئات الآلاف من الدولارات.

البيتكوين تنافس البنك

يقول مارسيل يونس: إنه لاحظ من خلال دراساته أوجه الشبه بين لبنان وفنزويلا والأرجنتين، الأمر الذي أفزعه وجعله يقوم

بسحب كل أمواله من البنك، وأفرغ حسابه في منتصف عام 2019؛ أي قبل شهرين فقط من قيام البنوك بإغلاق حساباتهم. وأخبر شبكة «سي إن بي سي» بأنه قام في البداية بتحويل 15% من أمواله إلى عملة البيتكوين، واحتفظ بالرصيد المتبقي نقداً، واليوم 70% من أمواله في عملة البيتكوين، وقال إنه يدعو كل شخص في عائلته للقيام بهذا.

وليس يونس؛ فبحسب مصادر متعددة للشبكة فإن الناس في جميع أنحاء البلاد يخشون وضع أموالهم في البنوك أو تخزينها نقداً في المنزل بسبب خطر السرقة.

ويمتلك لبنان 6 أجهزة صراف آلي بيتكوين (أحد في عمشيت وخمسة في بيروت)، لكن أولئك من تحدثوا إلى «سي إن بي سي» بخصوص هذه القصة يقولون: إن أفضل الطرق للوصول إلى البيتكوين هي إما كسبها (من خلال التعدين أو العمل المدفوع الأجر) وإما بشرائها باستخدام التيثر.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/2fpphvsu

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"