إعادة التدوير السياسي

01:13 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

غالباً ما يعني مصطلح «إعادة التدوير» (ترجمة كلمة «ريسايكل» باللغة الانجليزية) معالجة مخلفات ما تم استنفاده بالاستهلاك للاستفادة منها بتحويلها لموارد صالحة للاستخدام بشكل جديد. يحدث ذلك مع أشياء كثيرة من المياه والورق والبلاستيك وغيره مما يستخدمه البشر في حياتهم اليومية. لكن المصطلح أصبح ينسحب أيضاً على أمور كثيرة من الأفكار والنظريات إلى الأحداث والسياسات.

ومنذ نهاية الحرب الباردة في أواخر ثمانينات القرن الماضي يشهد العالم محاولات تشكيل ما يوصف بأنه «نظام عالمي جديد». وخلال العقود الثلاثة الأخيرة شهدت السياسة الدولية عمليات إعادة تدوير، بل وأحياناً إعادة تدوير المدور أكثر من مرة. ينطبق ذلك على العلاقات الدولية وحتى على السياسات الإقليمية والقطرية في مناطق مختلفة من العالم.

وإذا أخذنا في الاعتبار تراجع أهمية «مركز العالم» – أي أوروبا – التقليدي خلال الحرب الباردة مع نهايتها، فإن أحادية القطبية التي تفردت بها الولايات المتحدة لم تنتقص من أهمية أوروبا فحسب؛ بل كانت أيضاً فرصة لصعود قوى جديدة من آسيا وإفريقيا وأمريكا الجنوبية. وأثبتت السنوات الماضية أن إعادة تدوير أفكار من قبيل «نهاية التاريخ» وما شابه، كان إفلاساً أكثر منه تأصيلاً نظرياً لتسيّد التوجه الغربي عالمياً مع انهيار المعسكر الشرقي.

وفي سياق السعي نحو تشكيل نظام عالمي، ما زالت واشنطن تعمل عل تأكيد وضمان ريادة «تحالف غربي واسع» كما هو هدف واشنطن المعلن من استراتيجيتها في حرب أوكرانيا.

ومن كثرة إعادة التدوير لهدف تعزيز القطبية الأمريكية/الغربية وصل الوضع إلى عودة الإنشاء السياسي الذي صاحب الحرب الباردة في حرب أوكرانيا الحالية وما قبلها مباشرة: استراتيجية أمريكية ضد روسيا والصين.

لا يقتصر إعادة التدوير السياسي على العلاقات الدولية، وإنما لننظر إلى تقلص الفوارق بين التيارات السياسية في الغرب. فبنهاية القرن الماضي، فقد اليمين واليسار التقليديين البوصلة وتركزت القوى السياسية في «الوسط» وعلى هامشها تطرف يميني متشدد وتطرف يساري مغلف بليبرالية جديدة، والتقى «المتطرفان» على توجهات شعبوية وفوضوية تكاد أن تكون عنصرية وإرهابية.

يرجع ذلك في الغالب إلى كثرة إعادة التدوير السياسي ونتيجته الطبيعية من إعادة اهتراء مادة التدوير. كل ذلك دون أي ابتكار أو إبداع وركون «استسهالي» لمقولة نهاية عصر الأيديولوجيات في العالم كله تقريباً. ساهمت في ذلك أيضاً فورة التدفق المعلوماتي عبر الإنترنت ومواقع التواصل. وأدى إعادة التدوير إلى فقر سياسي هائل حتى أن دورة إعادة التدوير أصبحت سريعة.

لنأخذ على سبيل المثال ما تشهده الولايات المتحدة الآن، حيث يستعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للإعلان عن ترشحه لانتخابات الرئاسة بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. بل وربما يترشح الرئيس الحالي جو بايدن أيضاً لينافس ترامب ثانية في 2024.

لن تكون عودة ترامب فحسب، من باب التدوير السياسي، بل إن هناك احتمالاً أن يعاود رئيس الوزراء البريطاني المستقيل بوريس جونسون السعي لرئاسة حزب المحافظين وتولي السلطة حتى قبل انتخابات 2024. ولدينا في إيطاليا عودة أكثر تطرفاً لليمين السياسي بعدما فشل في الحكم قبل فترة قصيرة وجيء بشخصية قريبة من الوسط هو ماريو دراجي ولم يتمكن من الاستمرار. كذلك يعد بنيامين نتنياهو في إسرائيل بتحالف أكثر تطرفاً نحو اليمين.

كذلك، لا يقتصر إعادة التدوير على اليمين بل إن بلداً كالبرازيل، التي صوت شعبها ضد اليساري لولا دي سيلفا من قبل، فقد أعاد انتخابه مرة أخرى. كما أن الرئيس الصيني شي أعيد اختياره للمرة الثالثة زعيماً للحزب الشيوعي وقائداً للبلاد مع إحكام قبضته على السلطة أكثر.

وهكذا، أصبحت إعادة التدوير السياسي سمة رئيسية للحكم والعلاقات الدولية في كثير من مناطق العالم وتعبيراً عن أمرين: فقر الإبداع والتطور، وفقدان الجماهير الاهتمام وربما حتى الثقة في السياسة بشكل عام.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/mwexdnzf

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"