عادي
ساعتان ونصف الساعة من المتعة البصرية

«مدرسة الخير والشر».. عودة للأساطير والإبهار

23:07 مساء
قراءة 5 دقائق

مارلين سلوم

ما الجديد؟ سهل جداً أن تحترف الكتابة وتمتلك القدرة على صياغة الفكرة وتضعها في قالب جميل، لكن الصعب هو أن تتمتع بالخيال الواسع لتبتكر وتؤلف قصة جديدة لا تشبه أياً من القصص التي قرأتها، أو رأيتها من قبل؛ لذا، تجد الكثير من الكتاّب، لكن ليس بالضرورة أن يكونوا مؤلفين، تولد القصص من خيالهم من دون اقتباس. ومن هؤلاء الذين حالفهم الحظ في تأليف كتاب نال شهرة واسعة لأنه لعب على وتر السحر والمغامرات الذي يعشقه المراهقون والأطفال، الكاتب الأمريكي (هندي الأصل) سومان تشيناني، الذي نال شهرة واسعة عام 2013 حين أصدر كتابه «مدرسة الخير والشر»، وتحول إلى سلسلة من القصص، وها هو يتحول إلى فيلم تعرضه «نتفليكس»، ومنذ بدايته وحتى نهايته، تشعر بأنك تشاهد مجموعة أفلام في فيلم واحد، ترى لماذا؟

الصورة

هذا مشهد من «هاري بوتر»، وهذه التوليفة والتركيبة منسوخة من«ديساندانتس»، أي «أحفاد»، وهذه لقطة تأخذك مباشرة إلى«روميو وجولييت».. لا تشعر، ولو للحظة، وأنت تتابع أحداث فيلم «مدرسة الخير والشر»، أو«سكول فور جود أند إيفل» بأنك تشاهد عملاً جديداً وقصة فريدة، بل لعله من أكثر الأفلام التي تذكرك بكل ما سبقها من نوعية قصص الخيال الأسطورية نفسها، خصوصاً أن مؤلفها سومان تشيناني، لم يكتف باستقاء أحداث قصته من حكايات الطفولة الخرافية والتي اجتمعت شخصياتها في فيلم «الأحفاد» (2015)، ليعيد تشكيلها بأسماء ووجوه جديدة، بل زاد عليها لمسة من سحر «هاري بوتر»، وجعل مدرسة «الخير والشر» نسخة من مدرسة تعليم السحر «هوجوارتس»، وكثير من التفاصيل فيها ومن حولها، ومعركة الخير والشر في بداية الفيلم، تستدعي هاري بوتر بشكل واضح، وتحييه في مخيلتك، علماً بأن «هوجوارتس» تنقسم إلى فريقين، فريق الأخيار وفريق الأشرار، وهو ما بنى عليه تشيناني كل قصته، لينطلق بنا من بلدة بسيطة إلى مدرسة للسحر، طلابها هم أبناء شخصيات الأساطير الطفولية، مثل ابن الملك آرثر، وابن كابتن هوك، وابنة الساحرة الشريرة في «ثليجة البيضاء»، وابن أمير الأحلام.. وإحدى البطلتين تشبه سندريلا، وتحلم بأن تعيش في قصر مع أمير الأحلام..

الصورة

فبركة الإحداث

نعم، ما زال هناك من يفبرك أحداثاً للأساطير الخرافية، ويجذب بها، ليس الأطفال فقط، بل الأجيال الجديدة من المراهقين، رغم كمّ الأفلام والقصص التي تكتب في عالم الغرب من أجل إبهارهم بالمغامرات، والأكشن، والرعب والخيال العلمي.. «مدرسة الخير والشر» القصة التي أعاد كتابتها سينمائياً دايفيد ماجي، وبول فيج (مخرج «برايدزميدز» و«ذا هيت»..) الذي تولى مهمة إخراج الفيلم، لم تكن لتحقق هذا النجاح عند صدورها في كتاب، وعند تحويلها إلى فيلم لولا فسحة الخيال السحري التي اعتمدت في بنائها على ركائز حب الشباب والصغار لهاري بوتر، وعالمه السحري، وعلى تعلق هذا الجمهور بفكرة متابعة حكايات أبناء أبطال القصص الخرافية والأساطير، والذين تطور معهم السحر، وتطورت قصص الحب والصراع بين الخير والشر، ليتخذ منحى شبابياً أكثر منه طفولياً.

ساعتان ونصف الساعة من متعة المشاهدة البصرية، بينما المضمون يمر بمراحل من «الحشو» الذي يمكن الاستغناء عنه، والقصة التي لا تاريخها معلوم ولا مكانها واضح وحقيقي، تبدأ من الشقيقين التوأم رافال وريان (يؤديهما كيت يونج) أسسا مدرسة من أجل الحفاظ على التوازن في العالم بين الخير والشر، وتشاركا السلطة والحكم وعاشا بسلام على مدى دهور إلى أن قرر رافال (رمز الشر) إحداث تغيير لأنه ملّ من كثرة الهدوء والسلم في كل شيء، فاستخدم السحر بشكل جدي في معركة حسبها ريان (رمز الخير) سلمية كعادتهما في المزاح واللعب، من أجل أن يقتل شقيقه ويستولي على الحكم وحده، فهل يتمكن، وينتصر الشر؟ لن ندخل في تفاصيل القصة والإجابة عن هذا السؤال كي لا نحرق الأحداث، خصوصاً أنها مرتبطة كلها بنتيجة هذه المعركة.

بلدة غافلدن

ننتقل إلى بلدة اسمها غافلدن، حيث تعيش صديقتان ظروفهما متشابهة، لكن شخصية كل منهما مختلفة عن الثانية، وأحلامهما وطموحاتهما ليست واحدة، ورغم ذلك هما متمسكتان ببعضهما بعضاً، مهما كان الثمن. صوفي (صوفيا آن كاروسو) هي شخصية سندريلا الشقراء، تحلم بأن تصبح أميرة، وتريد أن تهرب من ركود الحياة اليومية ومعاناتها مع زوجة أبيها الخبيثة، ومثل سندريلا تتحدث إلى الحيوانات والمخلوقات الصغيرة في الغابة، وحتى طريقة كلامها ولبسها مثل سندريلا. في المقابل، نرى الفتاة السمراء صاحبة الشعر الأجعد والكثيف أجاثا (صوفيا وايلي)، فارهة الطول لا ترتدي سوى اللون الأسود، تعيش مع والدتها في كوخ في البرية، حيث تقوم الأم بتحضير خلطات من الأعشاب وهي تؤمن بأن ابنتها تملك موهبة خاصة، وقدرات لا بد أن تكتشفها كي تنتقل بحياتها إلى ما هو أفضل، بينما يعايرها كل سكان البلدة بشكلها وينادونها «الساحرة» ويخافون لعنتها.

النجمة كايت بلانشيت تطل علينا بالصوت فقط، حيث تتولى مهمة سرد القصة في البداية، وتكمل السرد في محطات معينة، حيث يستخدم المخرج أسلوب السرد مع التمثيل تماماً، مثل القصص الخرافية القديمة؛ في حين تطل النجمات تشارليز ثيرون وميشال يوه وكيري واشنطن، بأدوار المعلمات في «مدرسة الخير والشر»، وتؤدي كيري دور الأستاذة دوفي التي تعلم طلابها كيف يصلون إلى«السعادة الأبدية»، بينما ثيرون تلعب دور الأستاذة ليسو التي تعلم الأشرار كيفية تحقيق «التعاسة الأبدية»، وبينهما ميشال يوه هي الأستاذة أنيموني التي تدرب الطلاب الأخيار على كيفية التجمل بالابتسامة والروح الحلوة والتصرف برقي.

انتقال الصديقتين

كيف تنتقل صوفي وأجاثا من غافلدن إلى مدرسة الخير والشر؟ تعشق صوفي القراءة، لذا تذهب الصديقتان إلى المكتبة، وتعرض عليهما صاحبتها كتاباً عن مدرسة الخير والشر، وتحكي لهما أن من يتمنى الذهاب إليها يتم خطفه ليجد نفسه فجأة فيها؛ ولشدة رغبة صوفي في العيش في عالم السحر هذا، وأن تكون ساحرة طيبة، كما في القصص التي تقرأها، تكتب رسالة تتمنى فيها ذلك، وتضعها في شجرة كتبت عليها الصديقتان اسميهما في طفولتهما. تحاول أجاثا منعها، لكن فجأة يخطفهما طائر ضخم ويرمي أجاثا في مدرسة الخير بينما تذهب صوفي إلى مدرسة الشر، ويربط بينهما جسر.

وطوال الوقت تحاول أجاثا إقناع صديقتها بالفرار من هناك، بينما تسعى صوفي إلى إقناع المسؤول عن المدرسة بأن الطائر أنزلها في الجهة الخاطئة، فهي تريد أن تكون من حسناوات السحر الجميل، حيث الفساتين الفضفاضة والحياة الوردية والأمير الوسيم.. إلى أن تبدأ الأحداث بالتصاعد ونكتشف حقائق أخرى تؤكد أن صوفي في مكانها المناسب، ويظهر قدرات أجاثا وجمالها وأصالة معدنها وروحها الطيبة..

أجمل ما في الفيلم هو المتعة البصرية التي تتحقق بفضل الملابس الرائعة التي صممتها رينيه إرليش كالفوس والألوان والتناقض بين أزياء الأخيار والأشرار، مثل تناقض السعادة والتعاسة، الخير والشر؛ الأزياء والديكور والتصوير والإخراج كلها تفاصيل تؤكد السخاء في الإنتاج، وتساهم في إنجاح هذا العمل الذي يستند إلى معاني الصداقة الحقيقية وينتصر لها، خصوصاً أنه يجعل هذا الرباط أهم من رباط الحب، ويشدد على معاني الصداقة السامية التي أصبحت نادرة في زمننا هذا.

عمل جيد وقصة قديمة

من ينتصر، الخير أم الشر؟ منتصف الفيلم وأحداث ما قبل النهاية أكثر تشويقاً من النهاية التي جاءت إلى حد ما متوقعة، لكن ما هو غير متوقع أن يكون للفيلم تكملة، وهو ما بدا واضحاً في المشهد الأخير. نجوم وممثلون شباب يستحقون الإشادة بأدائهم في هذا الفيلم، خصوصاً صوفيا وايلي، كما يمكن القول إن العمل جيد، وإن لم تكن قصته جديدة، يحيي الأساطير وعالم السحر، في قالب تشويقي وصورة مبهرة

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات
https://tinyurl.com/3pecec99

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"